25.. لن تسرقوا الثورة

22 يناير 2015
يمكن أن يكون الصراع محتدما على رمز أو أيقونة
+ الخط -
تتنازع جماعات المصالح وأطراف القوة على احتلال المواقع، أو لنقل على إشغالها، وهذا النزاع يخضع لمبررات تتعدد، منها ما هو متصل مباشرة بما يتوفر من أنانية، أو رغبة في تحقيق الذات أو حبا لها، ومنها ما يرتبط بطابع اللحظة، أو المرحلة التي تكون حاضرة من عمر الصراع بين هذه الجماعات. ولا يكون الاصطفاف في حالات صراع كهذه، إلا خاضعاً لمحددين اثنين، أحدهما يتعلق بشكل التحالفات والمصالح الآنية، وما تفرضه من ضرورات وخيارات، والآخر يتعلق بالمراد مستقبلا، ويتشكل وفقا لما هو أبعد من الآني. أو يمكن القول إن أحدهما ابن اللحظة، والآخر فيه ما هو أبعد من ناحية استراتيجية، وفقا لما يتوفر لدى مختلف الأطراف من رؤية لما هو آت.

وكذلك ينطبق الأمر على الأمكنة، بالمعنى المادي المباشر، كالمقهى مثلا، أو ذلك الشارع، أو هذه الحديقة، أو الميدان المجاور لها، ولا يتوقف الأمر عند المواقع بما تحمل من معنى يرتبط بمساحة التأثر والتأثير، بل يتعدى ذلك، وبشكل أكثر خطورة إلى حيز الرمزيات والوقت. فيكون الصراع محتدما على رمز أو أيقونة، أو يوم من أيام التقويم السنوي، وأحيانا يكون لحظة طبيعية ما، كموقع الشمس في لحظة ما، أو شكل القمر.

كل هذه الاحتمالات، من الممكن أن تتوفر ضمن عملية احتدام التزاحم على احتلال المواقع، زمنياً، مكانياً، ورمزياً. لكن بالتأكيد لكل حالة فرادتها، ولكل تجربة ما يميزها، أو ما يسببها وما تؤول إليه، ليس بمعزل عن الطابع العام للضرورات التي تدفع لتناحر كهذا.

ومن هذا الباب يمكن الانطلاق في القول إن ارتباط الثورات أو الأحداث الكبرى بيوم معين، أو اسم ما، أو مكان بعينه، ليس وليد الصدفة، ولا هو اختيار عشوائي، بقدر ما هو وليد سلسلة من الأحداث والظروف التاريخية وتفاعلها، وأكثر ما فيها هو شكل الصراع وطبيعة الدرب الذي يسير عليه. ومن هذا المنطلق يمكن الذهاب بالقول، إن ارتباط ثورات كثيرة بيوم بعينه ليس مجرد صدفة خضعت لما توفر، أو لما أمكن. فالمعلوم، مثلا، أن 25 يناير/كانون الثاني 2011، لم يكن أول 25 يناير في عهد نضال الشعب المصري وثوّاره ضد دولة الاستبداد والفساد العسكري المباركي، بل سبقه الكثير في مثل هذا اليوم من كل عام كان قد مضى قبل 2011، لأكثر من سبع سنوات، وقد كان هذا الاختيار مرتبطا بما يمثله هذا اليوم من قيمة رمزية، مرتبطة بالنضال الشعبي والشُرطي ضد المستعمر البريطاني في الإسماعيلية، قبل أن تحوّله الدولة المصرية ليكون عيدا لشرطتها فقط. تلك اليد الضاربة التي ركنت إليها نظم الاستبداد لضرب الشعب والتنكيل به وتعذيبه وإحباط آماله، لذلك كان التركيز والتشديد على هذا اليوم للتظاهر ضد هذه الممارسات، وضد إجرام الأجهزة الأمنية والدولة في حق الشعب المصري وشبابه. وإذ تبدأ الأمور بالوقوف ضد القمع، أو تمظهرات الظلم الجلية في الحيز العام واليومي، إلا أنها سرعان ما تنتقل لما هو جوهري أكثر، وما هو مرتبط بالآليات العميقة للدولة، وأسباب إفراز مثل هذا الظلم، ففي البداية كانت وقفات 25 يناير تظهر بمظهر التصدي ورد الفعل على ما هو جارٍ من تعسف وقهر بيد الشرطة وأعوانها، ولكن سرعان ما تبلورت الحيثيات لهذه الوقفات الاحتجاجية أكثر، وأخذت طابعا ثوريا أكثر نضوجا ووضوحا، وانتقلت إلى الحديث عن صلب النظام، وضرورة سقوطه.

وما الإعلانات الكثيرة اليوم، التي سبقت ذكرى الثورة المجيدة هذه الأيام، بأن 25 يناير هو يوم للشرطة وعيد لها، إلا محاولة لمحو الذاكرة، ودفن الثورة بعد سرقتها، بما تحمل من صورة لتحررٍ، وبما تختزن من موقف ضد أن يكون لأحد عيد غير عيد حق الشعب وكرامته.

لأنها ثورة شعبية، ولأن الشباب الرافض للفساد والظلم ودولة الظلام هو من قام بها، ومن وقفت أعمدتها على أكفه وأكتافه، ولأنها ليست مستوردة، ولا ممولة أجنبيا، وليست صنيعة الاستعمار، ولا وكالات "التنمية/التمويل" الدولية، ولأن لها سندها التاريخي المشرّع، ومسبباتها الواقعية الواضحة، سيبقى الشباب المصري حازماً في شأن أن 25 عيد للثورة، وليس للشرطة.


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk