وجرت في بدايات العام أحداث عسكرية كبرى في جنوب وشمال سورية أدت إلى تغيير عميق، وربما نهائي في خريطة السيطرة الميدانية بين مختلف قوى الصراع في البلاد التي تستعد لدخول عام جديد من أزمة طالت دون حلول سياسية جدية، ولا تلوح في الأفق بوادر انفراج.
وفي بدايات عام 2018 أعلنت قوات النظام السوري السيطرة على مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق وحي جوبر الدمشقي بعد سنوات من الحصار والقصف والتهجير، وذلك إثر خروج الدفعة الأخيرة من المقاتلين والمدنيين باتجاه إدلب في الشمال السوري بناء على اتفاق بين المعارضة السورية وروسيا.
وجاءت سيطرة النظام بعد عملية عسكرية حاولت المعارضة الصمود أمامها، وانتهت باستخدام أسلحة محرمة دوليا في إبريل/ نيسان الفائت في مدينة دوما أدت إلى مقتل 150 مدنيا على الأقل، وإصابة المئات وهو ما دفع المعارضة إلى توقيع انسحابها من المدينة إلى الشمال السوري.
وفي العشرين من يناير/ كانون الثاني أعلن الجيش التركي وقوات من الجيش السوري الحر، بدء عملية استعادة السيطرة على منطقة عفرين، شمالي سورية، مطلقة عليها اسم عملية "غصن الزيتون" لطرد الوحدات الكردية من شمال غربي حلب. وفي العشرين من مارس/ آذار سيطر "الجيش السوري الحر" مسنوداً بقوات من الجيش التركي، على كامل مدينة عفرين شمالي سورية، وذلك بعد ما يقرب من شهرين على بدء عملية "غصن الزيتون" في المدينة وبعد معارك عنيفة مع مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية انتهت بهروب عناصر الأخيرة من المنطقة ذات الغالبية الكردية من السكان. وبذلك قطع الأتراك شوطا في طريق تقويض مسعى كردي لإقامة إقليم في شمال وشمال شرقي البلاد، تعتبره أنقرة مساسا بأمنها القومي.
وفي مارس/ آذار الفائت، خرجت الفصائل العسكرية المعارضة من منطقة القلمون الشرقي شمال شرقي دمشق إلى الشمال السوري، وفق الاتفاق الذي وقعته مع روسيا والنظام السوري والذي نص على وقف إطلاق نار وتسليم السلاح الثقيل ونشر الشرطة الروسية على مداخل المدن وعدم دخول قوات النظام إلى مدن المنطقة، إلى جانب تسوية أوضاع من يرغب بالبقاء من خلال مركز داخل المنطقة. وفي أواخر إبريل/ نيسان، توصل النظام والمعارضة برعاية روسية لاتفاق اخلى بلدات يلدا وببيلا، وبيت سحم في جنوب دمشق من المعارضة السورية المسلحة التي رحل أغلب مقاتليها إلى الشمال السوري مع أكثر من ألفي مدني وفق الاتفاق الذي جاء بعد سنوات من الحصار والجوع.
وفي مايو/ أيار خرج مسلحو تنظيم "داعش" من حيي "مخيم اليرموك" للاجئين الفلسطينيين في سورية، والحجر الأسود جنوب العاصمة السورية دمشق في صفقة مع النظام غير معلنة، إلى مناطق سيطرة التنظيم في البادية السورية، جنوب شرق محافظتي حمص ودير الزور بعد شهر من حملة عسكرية عنيفة كبدت النظام خسائر فادحة في صفوف قواته، وانتهت بتدمير الجانب الأكبر من الحيين.
ريف حمص الشمالي
وخسرت المعارضة السورية في مايو/ أيار معاقلها في ريف حمص الشمالي وسط سورية بعد حصار دام أكثر من خمس سنوات، وفق اتفاق مع الجانب الروسي ينص على تسليم المعارضة أسلحتها الثقيلة، وخروج من يرغب من المدنيين نحو الشمال السوري، وتسلم الشرطة العسكرية الروسية إدارة المنطقة بعد خروج المعارضة المسلحة. كما خرج مسلحو "هيئة تحرير الشام" من المنطقة بعد اتفاق مع الجانب الروسي ينص على إطلاق الهيئة محتجزين لديها من الطائفة العلوية من سكان قرية "اشتبرق" في ريف إدلب الغربي التي تقع تحت سيطرة الهيئة.
الجنوب السوري
طوى النظام في منتصف العام صفحة الثورة والمعارضة في جنوب سورية بعد حملة عسكرية لم تستمر طويلا، حيث توصلت المعارضة في يوليو/ تموز مع الجانب الروسي إلى اتفاق أولي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار بين الجيش السوري الحر وقوات النظام جنوبي سورية، وتسليم المعارضة المسلحة أسلحتها الثقيلة بشكل تدريجي للجانب الروسي ومغادرة الرافضين للاتفاق إلى إدلب، شمال غربي سورية.
ويقضي الاتفاق بإدارة النظام السوري معبر "نصيب" الحدودي مع الأردن عبر موظفين مدنيين تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية، إضافة إلى استلام قوات النظام السوري المنطقة الحدودية مع الأردن.
وفي مطلع أغسطس/ آب، سيطر النظام على البلدات التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم "داعش"، في حوض اليرموك بالريف الغربي لمدينة درعا، بعد عملية بدأت في 19 يوليو/ تموز، بمشاركة الطيران الحربي والمروحي، إضافة إلى القصف الصاروخي والمدفعي وبذلك سيطر النظام على كامل محافظة درعا التي كانت مهد الثورة السورية.
وفي يونيو/ حزيران من عام 2018، توصلت المعارضة السورية في محافظة القنيطرة جنوب سورية لاتفاق مع النظام وروسيا، ينص على خروج مقاتلي الفصائل الرافضين للتسوية إلى إدلب وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء، وعودة قوات النظام إلى النقاط التي كانت فيها قبل العام 2011، بموجب اتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل في العام 1974.
وحسب ما تسرب من نصوص الاتفاق، فإنه يتضمن نقاطاً محددة، تشمل وقف إطلاق نار شاملا وفوريا على جميع الجبهات، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط على مراحل، ودخول الشرطة العسكرية الروسية إلى بلدات وقرى القنيطرة، وإعادة المهجرين إلى مناطقهم، بضمانات روسية، على أن تستثنى من ذلك المناطق غير الصالحة للسكن بسبب القصف والدمار في بنيتها التحتية، وعودة قوات النظام إلى مناطق اتفاقية 1974، المنزوعة السلاح، وفق الوضع السابق، مع عودة قوات المراقبة الدولية "أندوف" لنقاطها القديمة، وتسوية أوضاع المتخلفين والمنشقين عن الجيش ما بين تسريح وتأجيل، وفتح باب التهجير باتجاه الشمال السوري لمن لا يقبل بهذا الاتفاق، وتشكيل لجنة لمتابعة ملف المعتقلين، وعودة الموظفين المفصولين إلى وظائفهم وتسوية أوضاعهم.
وفي يوليو/ تموز، كرّست إيران الدور الطائفي الذي تؤديه في سورية منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، مع إبرام اتفاق مع "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، ينص على إخلاء بلدتين "شيعيتين" شمال غربي سورية هما كفريا والفوعة من سكانهما، وهو ما يعدّ استمراراً سافراً لسياسة العبث بالهوية السورية. الاتفاق توصلت إليه "هيئة تحرير الشام" مع الجانب الإيراني تحت إشراف ورعاية الجانبين الروسي والتركي، ونصّ على تهجير من تبقى من سكان البلدتين في الريف الشمالي الشرقي لمدينة إدلب، والبالغ عددهم نحو 7 آلاف مدني ومسلح جلّهم منتسب لمليشيات إيرانية، نحو مدينة حلب، وجرى نقلهم بعد ذلك إلى مراكز في منطقة حسياء جنوب مدينة حمص حيث يعيشون ضمن ظروف صعبة.
هجوم دامٍ على السويداء
وفي أواخر يوليو/ تموز، نفذ تنظيم "داعش" هجوما على مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وريفها الشرقي في جنوب البلاد أدى إلى مقتل أكثر من 200 مدني بينهم نساء وأطفال. وأخذ عناصر التنظيم بعد انسحابهم رهائن يقدر عددهم بنحو 40 من قرية الشبكي، معظمهم من النساء والأطفال باتجاه مناطق تمركز التنظيم في البادية الشرقية، كما قام مسلحو التنظيم بحرق بعض البيوت قبيل انسحابهم. وجرى إطلاق الرهائن في نوفمبر/ تشرين الثاني بعد نحو ثلاثة أشهر ونصف على خطفهم في صفقة مع التنظيم لم تعرف تفاصيلها ولكن كان للجانب الروسي الجانب الأكبر في إبرامها.
وشهد عام 2018 تراجعا كبيرا لتنظيم "داعش" حيث خسر في نوفمبر/ تشرين الثاني منطقة تلول الصفا بريف السويداء الشرقي، التي أعلن النظام السيطرة عليها بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من المعارك المتواصلة في منطقة جغرافية شديدة الوعورة، تكبد خلالها النظام أكثر من 500 قتيل بينهم 50 ضابطا، بالإضافة إلى عشرات القتلى من فصائل المصالحات، والمليشيات الأخرى.
ولا تزال "قوات سورية الديمقراطية" تواصل حملة عسكرية ضد تنظيم "داعش" في ريف دير الزور الشرقي بدأت في سبتمبر/ أيلول من عام 2018 بهدف القضاء على بقايا التنظيم في شرقي سورية.
سوتشي
كما جرت خلال العام الفائت الكثير من الأحداث الكبرى منها اتفاق سوتشي الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي نزع فتيل الحرب في شمال غربي البلاد، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل.
ويسعى النظام بدعم من حلفائه إلى تقويض هذا الاتفاق وفرض شروطه كـ"منتصر" في الصراع، فيما تؤكد المعارضة السورية أنها جاهزة للحرب في حال أرادها النظام في محافظة إدلب، معقلها الأبرز.