2016 الذي نتمنى

03 يناير 2016
+ الخط -
غادر عام 2015 وترك لخلفه إرثاً ثقيلاً. بعضه عربي بامتياز، وبعضه الآخر وافد. لكن، لا مناص من التعاطي معه. لذا، على العرب الانتباه إلى ما يجب عمله (أو تجنبه) لكي يكون 2016 أفضل من سلفه، فتاريخ الشعوب والدول سلسلة من التطورات والمحطات المتصلة عضوياً، نادراً ما يحدث لها انقطاع تاريخي، أو تشهد تحولاً جذرياً يبتعد بالمستقبل عن معطياته في الحاضر.
شهدت تطورات العام المنصرم عودة المواجهات المسلحة، واستخدام القوة المادية في حل المشكلات، بل وإدارة الأوضاع السياسية في المنطقة إقليمياً وداخلياً. ولم يعد هناك مجال لإنكار أن امتلاك قدرات عسكرية ذاتية، تكفل الدفاع عن الأرض والشعب، شرط أساس لمواجهة المخاطر والتهديدات المتوالية والمتزايدة. وهنا، لا بد من تذكر أن تلك القدرة لا تعني فقط أعداداً من المقاتلين، أو كميات من السلاح والذخيرة، أو عقيدة عسكرية وحسب. وإنما هي تشمل كل هذه المقومات معاً، إضافة إلى تأمين الجبهة الداخلية باستقرار سياسي، وتماسك اجتماعي، وظهير اقتصادي. ما معناه أن امتلاك مقدّرات القوة الشاملة للدولة بشكل ذاتي هو المدخل الآمن لمواجهة تلك الموجة التي تتعرّض لها المنطقة بتوافد قوات أجنبية إلى أراضيها. ولا يقلل من خطورة تلك الموجة أنها تأتي تحت شعار مواجهة "الإرهاب"، حيث عمومية تعريفه وضبابية مصادره تجعلان أي شعب هدفاً محتملاً لتلك الحملة، إذا ما تعارضت مواقفه واختياراته مع مصالح تلك القوى التي تحرك أساطيلها وطائراتها لمحاربة "الإرهاب" الذي تحدده هي، وليس الذي تمارسه إسرائيل مثلاً.
كان 2015 شديد الوطأة على اقتصادات دول عربية كثيرة، وإن كان التحدي الاقتصادي ليس جديداً بالنسبة للدول "الفاشلة"، لكنه طاول، أيضاً، تلك التي تملك بعض مصادر القوة الاقتصادية، خصوصاً الوفرة المالية. والدرس المهم في ذلك أن بعض الدول كانت أقل تأثراً بتراجع العوائد النفطية، على أهميتها. بينما واجهت دول أخرى، ولا تزال، أزمات حادة بسبب انحسار بعض مصادر الدخل، خصوصاً التي تعتمد على المساعدات الخارجية. الدول التي لم تتأثر بشدة هي التي سعت، مبكراً، إلى تنويع مصادر الدخل، إضافة إلى توفر احتياطي نقدي ضخم، مكّنها من الصمود المالي أمام نقص الإيرادات. من ثم، هناك ضرورة مُلحة عربياً، لوضع سياسات اقتصادية بالمعنى التنموي، وليس الريعي. فاستزادة الحصيلة النقدية اليومية أو السنوية، أياً كان مصدرها، لا تختلف كثيراً عن العمل في الرعي أو الصيد أو الري بالمطر. حيث يتوقف العائد على توافر المورد، وليس على عمل العامل أو تخطيطه أو حتى جهده. والغريب أن الدول النفطية هي التي انتبهت إلى هذه الضرورة، بينما تلك التي لا تملك نفطاً، ولا تحسن توظيف مواردها الأخرى، تدير اقتصاداتها ليس فقط بمنطق ريعي، بل أيضاً رعوي.
ومن أخطر ما ورثه العام الجديد عن سابقه، حالة التفكك والانهيار التي بدأت تضرب فعلياً عدداً من دول المنطقة. وعلى العرب مواجهة هذا الواقع، والاعتراف بأنه لا يعود، في الأصل، إلى مؤامرات ومخططات، فهي قائمة ومستمرة منذ عقود. وإنما إلى الفشل في منعها، بل ومجاراة بعضهم لها بدراية أو بجهل. ولم يعد أمام العرب، (إن أرادوا البقاء) سوى تدارك الأمر وإحياء المواطنة. ليس بالشعارات والأغاني والحملات الدعائية، وإنما باضطلاع الدولة بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، مطلوب تصحيح المعادلة المعكوسة، فلا يصير المواطنون خدماً عند سلطةٍ تعتبر نفسها الدولة، بل تكون السلطة في خدمة المواطنين الذي هم أساس الدولة وأصل الوطن.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.