18 مليون صورة

17 يناير 2015
نشأ 18 مليون طفل في مناطق تشهد حروباً (الأناضول)
+ الخط -

يلهو هذا الطفل بالوحل قرب خيمته. يغرس يديه الصغيرتين في البركة التي كوّنتها غزارة الأمطار ثم ينفضهما. يُكرّر الأمر ويضحك. هو مشروع صورة جميلة. آخر ينظر إلى قطعة الشوكولا التي يحملها طفلٌ في مثل سنه، أو ربما أصغر بقليل، سمع أن أمّه تكافئه بها لأنه أحسن التصرف. يلحسُ شفته السفلى قبل أن يبلع ريقه. في عينيه غضب وحقد على كلّ أطفال العالم. هو أيضاً مشروع صورة جميلة.

سَمِعَت أن الأطفال اللاجئين يُصابون بالقمل. هي لاجئة مثلهم. تخبرها أمها أنها نجت من المرض حتى اللحظة. لكنها تشعرُ بهذه المخلوقات تمشي فوق خصلات شعرها الداكنة. تطاردهم طوال الوقت. تحك رأسها كثيراً. غالباً ما تراها والدتها تنفض شعرها. هي كذلك مشروع صورة جميلة. هؤلاء أطفال حرب وأطفال صور. عددهم كبير. علينا فقط أن نختار اللقطة الأجمل. لحظات بكائهم أو ضحكهم أو خجلهم أو جوعهم أو بردهم أو خوفهم أو موتهم. نسارع إلى تصويرهم بكاميراتنا لنستخدمها في الصحف أو على مواقع التواصل الاجتماعي. نوايانا صافية. نقصد أن ندافع عنهم. نكتب عن معاناتهم، لكننا نخترق خصوصيتهم في كثير من الأحيان. هل نرضى لغريب أن يلتقط الصور لأطفالنا؟ أم أن الحروب تلغي جميع الحدود؟

هؤلاء لن يظلوا أطفالاً. بعد سنواتٍ قليلة سيكبرون ويورثون معاناتهم بكل تفاصيلها إلى أطفال آخرين. قد تنتهي حربهم وتبدأ أخرى على الكوكب الرحب. ربما كتبنا عنهم ما لا يريدونه لأنفسهم. خفنا على طفولتهم في الحروب وأضعنا ذلك الخيط الفاصل بين المعاناة والخصوصية من دون أن نستأذنهم.
في صغرهم، طلبت منهم الجمعيات العاملة في مجال الدعم النفسي رسم ما يحلو لهم. ملأوا الأوراق البيضاء بالطائرات الحربية والدماء والبيوت المهدمة والملابس العسكرية وربما الأكلات التي لطالما أحبوها. قد يكونوا احتفظوا بهذه الرسومات، أو أضافتها هذه الجمعيات إلى أرشيفها لتحليلها وإصدار الدراسات. لكن هل تخلصوا من آثارها؟ الحديث عن معاناة أطفال الحرب يطول، وخصوصاً أنها لن تنتهي يوماً. وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، فقد نشأ 18 مليون طفل في مناطق تشهد حروباً.

يحكي فيلم "سليبرز" للمخرج باري لافنسون قصة أربعة مراهقين أصدقاء تسبّبوا في مقتل شخص عن طريق الخطأ. لأنهم أطفال لم يتجاوزوا الـ 14 عاماً، نقلوا إلى سجن الأحداث حيث اغتصبوا. حين كبروا أرادوا الانتقام. يتردّد أحدهم قائلاً إنه قد مرّ وقت طويل. فيسأله صديقه: "هل ما زلت عاجزاً عن النوم من دون أن تشعل الضوء؟". فيصمت.
ماذا عن الـ 18 مليون طفل؟ هؤلاء ليسوا مشاريع صور. يحتاجون فقط إلى النوم على ضوء القمر.