31 أكتوبر 2024
مشهد النهاية لداعش.. The End
وأخيراً.. أسدل الستار على الشاشة، بعد أن ظهرت كلمة الختام؛ The End . كان الفيلم، هذه المرة، بعنوان داعش. ظلّ يُعرض على جميع الشاشات العربية والعالمية ثلاث سنوات متواصلة من القتل والموت والدمار وقطع الرؤوس وحرق الأجساد ورجم النساء وقذف الرجال من علوٍّ شاهق، وغيرها من جرائم تفنّن أعضاء هذا التنظيم المتطرّف في تنفيذها على الناس، صغارا وكبارا، رجالا ونساء، وكلها باسم الإسلام والله أكبر. وهكذا أصبح كل المنضوين تحت لواء "الله أكبر" متهمين، بطريقة أو أخرى، من الآخرين، فكان لزاما عليهم أن يبذلوا جهدهم كله في دفع التهمة الجديدة عنهم، وعن دينهم أحيانا، أو توكيدها عليهم، وعلى دينهم أحيانا، من حيث لا يشعرون.
وكما بدأ هذا التنظيم بإعلانٍ فاجأ الجميع تقريبا في أبريل/ نيسان من العام 2013، حيث كانت ثورات الربيع العربي في أوجها، عن إقامة ما سماها "الدولة الإسلامية في الشام والعراق"، وتعارفت وسائل الإعلام على اختصارها باسم داعش. انتهى أيضا هذا التنظيم فجأة، على الرغم مما سبق النهاية الأخيرة من نهاياتٍ صغيرةٍ، سرعان ما كان يتبين لنا أنها غير حقيقية.
عندما ظهر زعيم هذا التنظيم أول مرة خطيباً على منبر أحد مساجد الموصل، بدا لنا وكأنه خرج للتو من بطن التاريخ الإسلامي، كما تخيلناه في تفكيرنا الجمعي عن الحياة وشكلها في عصور الإسلام الأولى، لكن المفارقة أنه أطلّ علينا عبر الشاشة، وكان يتحدّث من خلال الميكروفون، فكان لا بد أن نقبله مشهدًا سينمائيًا معاصرًا لأحداث تاريخية بائدة.
قبل "داعش"، عشنا سنواتٍ عجافا أيضا في سياق تنظيم القاعدة الذي بدأ وانتهى بالسيناريو نفسه، وإنْ بنسخةٍ أخفّ في الدموية والقتل المباشر، لكن الجريمة واحدةٌ ومرجعيتها التطرّف الديني نفسه.
وكما دفنت معظم أسرار تنظيم القاعدة في أماكن متفرقة، توزّعتها الخرائط والمدن ما بين قندهار وحتى غوانتنامو، مرورا ببحرٍ قيل لنا إنه ابتلع جثة الرجل الأول في تلك القاعدة، من دون أن يظهر تسجيلٌ مرئيٌّ واحدٌ لتلك النهاية الغريبة، على الرغم من الأضواء التلفزيونية التي أحاطت بذلك التنظيم في كل حركاته وسكناته، بدءا بتصوير أخطر وأكبر عملية عدوانية، اعترف بها التنظيم، عندما فجّر برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك أمام عدسات التصوير الني سجلت الحدث من كل زواياه وبتقنيةٍ عالية... وإن مصادفةً كما قيل. ها نحن نجهل أسرار تنظيم داعش الذي سيطر على مساحاتٍ واسعة، ومدن كثيرة في سورية والعراق، واختار إحدى أهم مدن المنطقة، وهي الموصل، عاصمة له، ليذوب فجأة ويتلاشى، من دون أن نعرف كيف وبلا شهادات تلفزيونية مهمة.
ما الذي يحدث بالضبط؟ كيف تبدأ مثل هذه التنظيمات؟ وكيف تنتهي؟ ومن يقف وراءها ومن يساعدها؟ ومن يضع لها المؤقت عند حدٍّ معين، لا تتجاوزه أبداً؟ من يموّلها، ومن يبيع لها كل هذه الأسلحة والذخيرة التي تعيش عليها سنوات؟ من الذي يتواصل معها ويسقيها ماء الحياة، لتستمر في جرائمها المصورة دائما على وقع التكبير بسمته الإسلامي؟ لماذا لا تظهر إلا في بلداننا العربية والإسلامية؟ والسؤال الأهم الآن؛ ما الجديد الذي علينا انتظار ظهوره وتلاشيه، وفقاً للسيناريو المعتاد نفسه؟
أسئلة لا أظن أن لها إجابات يقينية، وليس أمامنا سوى انتظار مرور مزيدٍ من الزمن، لننظر فيه إليها، عندما تكون جزءًا من الماضي البعيد، وعندها فقط، ربما نرى المشهد كله، لنكتشف مسارات الخيوط المتشابكة التي كوّنتها، وأنهتها أيضًا.