يوم الأرض: من "قلة الحيلة" إلى "قوة الإرادة"

القدس المحتلة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
30 مارس 2014
2FBB2817-7BCA-40E4-9CD8-D0C0DD5CC4B3
+ الخط -

يحيي الفلسطينيون اليوم الأحد الذكرى السنوية ليوم الأرض، الذي انفجر في الثلاثين من مارس/آذار من العام 1976. تاريخ سجّل أول مقاومة جماعية وشعبية لسياسة الحكومات الإسرائيلية العنصرية في مصادرة أراضي الفلسطينيين الذين بقوا على أرضهم المحتلة في العام 1948، وخضعوا على مدار عقدين لنظام حكم عسكري جائر، مكّن الحكومة الإسرائيلية، بعد النكبة، من تمرير مخططات شتى، وفي مقدمتها مصادرة أكثر من مليون و800 ألف دونم من خلال سن قوانين مختلفة، فُصلت خصيصاً لهذه الغاية، بدءاً من أنظمة الطوارئ العسكرية، مروراً بقانون الأرض البور، وقانون أملاك الغائبين.

تراكُم تاريخي

في 30 مارس/ آذار من العام 1976، نفّذ الفلسطينيون في الداخل أول إضراب عام، احتجاجاً على قرار حكومة الاحتلال بمصادرة 20 ألف دونم من أراضي قرى البطوف، دير حنا، عرابة البطوف، سخنين، والتي أصبحت تعرف بـ"قرى يوم الأرض".
صحيح أن الانفجار الشعبي العارم بدأ منذ 30 مارس/آذار، إلا أن بوادره ظهرت إلى السطح في العام الذي سبقه، مع إعلان حكومة إسرائيل عن خطة جديدة لتهويد الجليل، تحت مسمى "مخطط تطوير الجليل".
بادر نشطاء فلسطينيون إلى عقد اجتماع تشاوري في حيفا، انبثقت عنه لجنة الدفاع عن الأراضي التي دعت إلى التخطيط لمواجهة المخططات الجديدة عبر رد شعبي وجماهيري. وتشكلت اللجنة في مؤتمرها الأول من 113 شخصية بارزة في أوساط الفلسطينيين في الداخل، وشملت في صفوفها أعضاء من كافة الفئات الممثلة للفلسطينيين في الداخل.
وعقدت اللجنة مؤتمراً شعبيا لها في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1975 في الناصرة، وحضرته وفود كبيرة من كافة أنحاء فلسطين الداخل. وقرر المؤتمر رفض مخطط المصادرة الجديد، ودعوة الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه، وقرر المؤتمر للمرة الأولى إعلان الإضراب العام في الثلاثين من مارس/ أذار 1976.
أصرّت حكومة إسرائيل على المضي قدماً في المخطط، ووضع متصرف لواء الشمال، يسرائيل كينغ، وثيقة رسمية لتهويد الجليل وتضييق الخناق على الفلسطينيين في الداخل لدفعهم إلى الهجرة.

يوم الأرض واندلاع المواجهات

في 29 مارس/ آذار، أعلنت الحكومة الإسرائيلية فرض نظام منع التجول في كافة البلدات والقرى الفلسطينية، لاجهاض الإضراب العام، وانتشرت بقوات معززة عند مداخل القرى العربية، وقامت بتطويقها، وأنزلت قواتها إلى قرى "مثلث يوم الأرض"، لتندلع أولى المواجهات في بلدات عرابة وسخنين ودير حنا.
خير ياسين كان أول شهيد يسقط في بلدة عرابة، في ساعات المساء، ليلة يوم الأرض، فيما أصيب العشرات من المواطنين في المواجهات.
يوم الثلاثين من مارسآذار، عززت الحكومة من قواتها المنتشرة حول مداخل القرى العربية وداخلها، ثم حاول الجنود الذين انتشروا بمدرعاتهم وسياراتهم العسكرية، تكرار إعلان منع التجول، لكن الناس خرجت إلى الشوارع رغم الحظر، وخاضوا مواجهات وصدامات عنيفة، تخللها اختطاف أربعة جنود من حرس الحدود في سخنين، واضطرت الدولة العبرية إلى إجراء مفاوضات لتحريرهم، فيما كان الشهداء يسقطون تباعاً.
أردت قوات الجيش والشرطة خمسة شهداء إضافة إلى خير ياسين، هم: رجاء أبو ريا، وخضر خلايلة ورأفت الزهري وحسن طه وخديجة شواهنة. كان قرار المواجهة وإعلان الإضراب خارج اعتبارات السلطة الإسرائيلية، فلم تكن تتوقع أي رد جماعي وجماهيري على مخطط مصادرة 20 ألف دونم.

من "جماهير عربية" إلى جزء من الشعب الفلسطيني

ويرى رئيس لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل، أحد أعضاء لجنة الدفاع عن الأراضي، محمد زيدان في حديث تلفزيوني لـ "العربي الجديد"، أن قرار الإضراب كان نقطة تحول لأنه شكل تطوراً نوعياً في أسلوب صمود الفلسطينيين ومواجهتهم للدولة، وللمرة الأولى كجماعة قومية ووطنية وليس كأفراد، وبأداة سياسية منظمة.
ويتفق المؤرخ الفلسطيني، البروفيسور مصطفى كبها مع قول زيدان، ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ قرار الإضراب والمواجهات كان قفزة نوعية ونقطة تحول في مسيرة الفلسطينيين في إسرائيل، وعلاقاتهم بالدولة التي يحملون جنسيتها.
ويشير إلى أن ذلك كان تطوراً استفاد من ظروف دولية وعربية محيطة وأخرى فلسطينية، أي حرب أكتوبر/تشرين الأول، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
وبحسب كبها، شكل يوم الأرض "نقطة عودة العالم العربي والشعب الفلسطيني إلى الفلسطينيين في الداخل، ورسم صورة جديدة عنهم، بعدما كان العالم العربي لا يلقي بالاً لهم، ويعتبرهم إسرائيليين فرطوا بوطنهم".
ويلفت إلى أن العلاقة المباشرة التي عادت بين فلسطينيّ الداخل والفلسطينيين في الأراضي المحتلة "ساهمت بدورها في عودة بناء الذاكرة الجمعية للفلسطينيين في الداخل، وفي تثبيت هويتهم، وهو ما تجلى لاحقاً، وعلى مر السنوات، في سلوكهم ومواقفهم الوطنية والقومية ضد الاحتلال في الأراضي المحتلة ومجازر لبنان، وصولاً إلى التضامن المطلق خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى مع مطالب الحرية للشعب الفلسطيني، ولم يعد الحديث عن جماهير عربية بل عن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني".
أما على صعيد النسيج الاجتماعي والتحولات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني، فتقول الباحثة في علم الاجتماع، هبة يزبك، إن "عملية المقاومة العربية للاستعمار الصهيوني بدأت قبل النكبة واستمرت بعدها، إلا أن يوم الأرض كان بمثابة مسار انتقال من قلة الحيلة، إلى قوة الإرادة".
وترى يزبك أنّ ما حصل كان "مساراً نابعاً من إحباط ترافقه الإرادة والثقة بالحق، والانتقال من نفسية مقموع ضعيف وخائف، إلى منتفض، متمرد، واثق، واع، قادر، مواجه، يرفض القمع ويرفض الرضوخ، ويجنّد طاقاته وإمكانياته للنهوض بذاته وبكيانه وتغيير وضعيته، ليتحول إلى صاحب قدرة على تحديد قوانين اللعبة".
لكن أهم تداعيات يوم الأرض الأول تجلت خلال السنوات التي تبعته في السلوك الجماعي والمتحدي للسلطة، وتحديداً في السنوات الأولى لإحياء ذكرى يوم الأرض. ففي العام 1977، تواصل كسر نظام منع التجول الذي كانت تعلنه تل أبيب، وتكرر إعلان الإضراب رغم محاولات الحكومة ترهيب الفلسطينيين في الداخل.
وعلى الرغم من مرور 38 عاماً على يوم الأرض الأول، إلا أن مخططات المصادرة لم تتوقف يوماً، بل ازدادت خطورتها، كما تفاقمت نظرة الدولة العدائية للفلسطينيين في الداخل، وتكرر التعامل معهم من منظور أمني وعسكري مع اندلاع انتفاضة الأقصى 2000، وتحديدا عند "هبة أكتوبر" التي اجتاحت الداخل الفلسطيني تضامناً مع أبناء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، واحتجاجاً على انتهاك زعيم المعارضة الاسرائيلية حينها أرييل شارون، لباحات المسجد الأقصى. وسقط في "هبّة القدس والأقصى" 13 شهيداً من مختلف أنحاء فلسطيني الداخل، لتتكرر تجربة يوم الأرض الأول، في سلوك جماعي منظم.
تبع ذلك تصنيف الفلسطينيين في الداخل في مؤتمر هرتسليا الأول من العام 2001، تحت عنوان "مؤتمر المناعة القومية" باعتبارهم خطراً استراتيجياً على الدولة، خصوصاً في ظل الإحصائيات التي تنبّأت بفقدان الغالبية اليهودية غربي النهر في العام 2020.
واليوم، يواجه الفلسطينيون في الداخل الحرب والتحديات نفسها. حرب على تهويد النقب وسعي لمصادرة نحو مليون دونم من العرب الفلسطينيين في النقب، وترحيل 40 ألف فلسطيني عن أراضيهم، ومخططات تهويد للمثلث وزرع بلدات يهودية جديدة، بموازاة سنّ قوانين عنصرية تمنع تملك الفلسطينيين منزلاً في البلدات الجديدة التي يطلق عليها اسم "بلدات أهلية".
وعلى صعيد النشاط السياسي للفلسطينيين في الداخل، تزداد الهجمة العنصرية بقوانين تمنع إحياء ذكرى النكبة، وأخرى تشترط الاعتراف بيهودية الدولة لتسجيل الأحزاب وخوض انتخابات الكنيست، ومحاولات لسن قوانين تطالب الفلسطينيين بإعلان الولاء، ومساعٍ لفرض التجنيد والخدمة الوطنية على فلسطينيّ الداخل.

ذات صلة

الصورة
دخان ودمار في تل الهوى في مدينة غزة جراء العدوان الإسرائيلي، 10 يوليو 2024 (الأناضول)

سياسة

تراجعت قوات الاحتلال الإسرائيلي من منطقتي الصناعة والجامعات، غربي مدينة غزة، اليوم الجمعة، بعد خمسة أيام من عمليتها العسكرية المكثفة في المنطقة.
الصورة
انتشال جثث ضحايا من مبنى منهار بغزة، مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

قدّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وجود أكثر من 10 آلاف فلسطيني في عداد المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة ولا سبيل للعثور عليهم بفعل تعذر انتشالهم..
الصورة
قوات الاحتلال خلال اقتحامها مخيم جنين في الضفة الغربية، 22 مايو 2024(عصام ريماوي/الأناضول)

سياسة

أطلق مستوطنون إسرائيليون الرصاص الحي باتجاه منازل الفلسطينيين وهاجموا خيامهم في بلدة دورا وقرية بيرين في الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
الصورة
مكب نفايات النصيرات، في 21 مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

يشكّل مكبّ نفايات النصيرات في قطاع غزة قنبلة بيئية وصحية تُهدّد بإزهاق الأرواح وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، وسط أوضاع إنسانية مأساوية..
المساهمون