يوميات القراءة: مع فلاسفة الرومان

15 ابريل 2020
(سعيد ناشيد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع الكتّاب العرب في قراءاتهم أثناء فترة الوباء، وما يودّون مشاركته مع القرّاء في زمن العزلة الإجبارية.


مع ظروف الحجر الصحي التي فرضتها علينا جائحة كورونا، أحاول أن أستثمر الوقت لأجل ممارسة التأمل، والإنصات إلى الذات، وإعطاء الوقت الكافي للأُسرة، كما أتجاوب مع دعوات للقاءات إعلامية عن بعد في مجالات الفلسفة والإصلاح الديني والسياسة، وذلك باستعمال تقنيات التواصل الحديثة، وهي اللقاءات التي لم أكن أجد الوقت الكافي للاستجابة لها في الظروف العادية.

أما على مستوى المشاريع البحثية والدراسية فيشغلني عملان أساسيان: أولاً، أحاول أن أكمل مسوّدة كتاب جديد كنت قد أوشكت على إنهائه بالفعل، غير أن جائحة كورونا التي اتخذت طابعاً كونياً غير مسبوق، وأثارت في نفوس الناس قلقاً شديداً وأسئلة جديدة، قد منحتني فرصة لإعادة النظر في كثير من الصياغات، وشكّلت بذلك قوة دفع لمعاودة الاشتغال على المسودة بنفَس جديد، عسى أن يصير العمل في النهاية أكثر نضجاً من قبل، لا سيما أن الكتاب من حيث مضمونه وعنوانه يناسب التحديات الروحية والوجدانية للحظة الراهنة، ويوحي بقدرته على أن يصمد زمناً طويلاً في عالم ما بعد كورونا، وعنوانه: "الوجود والعزاء" وهو عنوان كما يبدو دالّ ومعبّر، إذ أعيد النظر في دور الفلسفة داخل سياق عالمي موسوم بالهشاشة الأصلية، والعرضية المستمرة، وخيبات الأمل أيضاً.

ثانياً، أسعى في هذه الظروف العصيبة، وبوحي منها كذلك، إلى العودة مرة أخرى إلى بعض المؤلفات الأساسية للفلسفة الرومانية وبتركيز قد لا تتوفّر ظروفه في أيام أخرى، ومن هذه الأعمال: "طبيعة الأشياء" للوكريتيوس، و"التأملات" لماركوس أوريليوس، و"عزاء الفلسفة" لبوثيئوس، فضلاً عن نصوص مختارة لشيشرون، وسينيكا، وبلوتارخوس، وهي نصوص متنوعة تتحدّث في مسائل مثل الموت والفقد والمرض والشيخوخة وما إلى ذلك.

وبالمناسبة أعتقد أن الفلسفة الرومانية، والتي تعرّضت للتهميش من طرف التاريخ الرسمي للفلسفة، تقدم لنا وصفات مهمة في فن العيش، ذلك أنها تُنمي القدرة على مواجهة نوائب الدهر، ومصائب الحياة، وكوارث الطبيعة، بأقصى ما يمكن من الحكمة الحياتية، والكرامة الإنسانية، والقدرة على التحمّل.

تتضمّن الفلسفة الرومانية عموماً دروساً لا غنى عنها لأجل تطوير فلسفة معاصرة جديدة، قادرة على مساعدة الناس على مواجهة أجواء الأوبئة والجائحات والكوارث، وتخليصهم من مشاعر الخوف والأسى والتشفي والتذمر والتأثيم وما إلى ذلك من أمراض الروح. أمراض الروح هي ما يسميه نيتشه بـ"أمراض الحضارة"، وإن علاج أمراض الروح والحضارة يبقى وظيفة الحكماء وفلاسفة فن العيش.

مؤكد أننا نحتاج إلى أطباء الروح في كل الأوقات، ومؤكد أيضاً أننا نحتاج إليهم كثيراً في عالم لا يزال غير آمن.


* باحث مغربي من مواليد 1969، من مؤلفاته: "الطمأنينة الفلسفية"، و"رسائل في التنوير العمومي"، و"دليل التدين العاقل"، و"الحداثة والقرآن"، و"التداوي بالفلسفة".

دلالات
المساهمون