يعيش جمعة مع أسرته في غرفة سكنية بسيطة أسفل البناية التي يحرسها، وبينما البناية في منطقة الدقي الراقية، إلا أن الأسرة تعيش مأساة حقيقية.
يعتبر حارس العقار شخصا على هامش المجتمع، رغم أن البعض يعتقد أن هؤلاء الحراس يكنزون الذهب والفضة، اعتمادا على عدد من الأعمال الدرامية التي تناولت تلك الشخصية. يقول جمعة، لـ"العربي الجديد"، إنه من ضمن "البوابين" الذين لم يحالفهم الحظ، كما حدث مع بطل فيلم "البيه البواب" الذي قام ببطولته النجم الراحل أحمد زكي.
لا ترتبط مهنة حارس العقار بوقت محدد للعمل، فهو طوال الوقت على أهبة الاستعداد، سواء في النهار أو الليل. لا يستطيع جمعة، حسب قوله، "رفض الاستيقاظ في منتصف الليل لفتح بوابة العمارة لأحد السكان".
يوضح جمعة أنه يتقاضى 400 جنيه شهريا (23 دولارا أميركيا تقريبا)، وهي بالطبع لا تكفي متطلبات أسرته، خاصة بعد ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن أحد أبنائه مصاب بمرض "التوحد"، ويحتاج كل أسبوعين علاجا بقيمة 200 جنيه.
وتقول زوجته، إن ظروف الحياة أجبرتها على مساعدة زوجها بالعمل في تنظيف الشقق السكنية وتنظيف السيارات، وتتمنى أن يلتحق أولادها بالمدارس مثل أقرانهم، خاصة أن ابنها الأكبر يرغب في أن يصبح طبيبا.
وبينما التوصيف الرسمي للوظيفة هو "حارس عقار"، إلا أن وظيفة "البواب" تتعدى الحراسة إلى شراء المستلزمات للسكان مثل الخضراوات والفاكهة وغيرها، وصفّ السيارات والعناية بها.
فى غرفة متواضعة لا تحوى سوى بعض الأغراض القليلة فى حي المقطم، بالقاهرة، تعيش أسرة البواب الأربعيني حسين أحمد عبد المحسن، حياة بائسة، بعد إصابة في إحدى ركبتيه. يقول عبد المحسن لـ"العربي الجديد"، إنه "رغم إصابتي، قبل شهر ونصف الشهر، إلا أن أحدا من سكان العمارة لم يزرني، رغم عملي لسنوات على تلبية طلباتهم وحماية مساكنهم. حدث الأمر نفسه مع ابنتي عندما كانت تحتاج إلى صفائح دموية لمدة ثلاث سنوات ماضية، ولم يفكر أحدهم في مساعدتي، رغم أن سعر كيس الصفائح يبلغ 600 جنيه".
ويشير إلى أنه رغم إصابته، يحرص على أداء مهمته على أكمل وجه، "البوابون بشكل عام ليسوا سيئين، كثير منهم ذوو أخلاق حميدة جاؤوا من الدلتا والصعيد لطلب الرزق والعيش الحلال".
ويروي أن "بعض السكان لا يلقون بالاً لسنّه، ويخاطبونه فقط بلهجة الأوامر، ويغضبون إن لم ينفذ طلباتهم بسرعة، حتى تعلّم بعض الأطفال ذلك وبدأوا تقليد آبائهم، وبات الواقع أن السكان دائما على حق، حتى لو أخطأوا. رغم كل ذلك، فأنا أحب عملي".
ويُعتبر عبد المحسن نفسه جسرا بين سكان العمارة وعمال الصيانة، موضحا أنه يقضي اليوم في تلبية متطلبات السكان، منذ أن يستيقظ في السابعة صباحا وحتى بعد منتصف الليل، في حين أنه يتقاضى 500 جنيه شهريا (30 دولارا تقريبا)، وهو يراها غير كافية لأسرة مكونة من زوجة وثلاثة أبناء، ما دفعه إلى ممارسة عمل إضافي يتمثل في غسل سيارات قاطني العمارة والعمارات المجاورة.
ويعرب عن أمله في أن يتوفر له ولأولاده تأمين صحي، حتى لا يلجأ إلى الآخرين للحصول على منحة أو سلفة، في ظل حياة معيشية صعبة.
في حين يؤكد حارس العقار يوسف عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، أن "البوابين يعانون من التهديد المستمر بالطرد في حال التقصير أو ادعاء السكان عليهم بالتقصير، مهنتنا ليس فيها أي نوع من الأمان الوظيفي، فلا تأمينات ولا نقابة ولا حتى وضع اجتماعي جيد".