11 نوفمبر 2024
يمنان وربما أكثر
كان اليمن دائماً معضلة عصية على الحل، لنفسه وللآخرين. وطالما كانت محاولات الخروج من تلك المعضلة، سواء بأيدي اليمنيين، أو غيرهم، سبباً مباشراً في ترسيخها، وربما أيضاً في زيادة تعقيداتها. وفي المشهد اليمني الحالي ما يكفي من شواهد وأدلة تثبت هذا التوصيف.
ليس جديداً على العالم العربي تعدّد الأطراف الفاعلة، وتقاطع أهدافها، وبالتالي حساباتها وأدواتها، لتحقيق أهدافها أو تسوية أزماتها. ولكن الجديد الذي تقدّمه أزمة اليمن هو سرعة تغير المواقف والحسابات للأطراف نفسها من وقت إلى آخر، من دون مبرّرات واضحة، أو على الأقل معلنة، لتلك التقلبات الحادة.
وليس بعيداً عن الأذهان، كيف كان علي عبدالله صالح قادراً على الجمع بين أطراف متناقضة المصالح والسياسات، حول هدف واحد، هو الإبقاء عليه حاكماً لليمن. وكان يتنقل في تحالفاته من طرف إلى آخر، ويعود مرة أخرى، بسرعة وخفة تبهر أعداءه قبل أصدقائه. ويذكر التاريخ أن ثمانية من بين عشرة قادة ورؤساء لليمن (المقسّم ثم الموحد) تعرّضوا للاغتيال بأيدي مقرّبين أو الإزاحة بتدبير حلفاء.
ويبدو أن عدوى التحول السريع والحاد انتقلت من اليمنيين أنفسهم إلى الأطراف المعنية بالشأن اليمني، فقد بدا التحول الجذري في موقف الإمارات ودورها في الساحة اليمنية، كما لو كان سيناريو لأحد أفلام الأكشن والإثارة. وعلى الرغم مما فرضته هذه الخطوة من تساؤلات وشكوك حول التنسيق والتفاهم الإماراتي والسعودي في اليمن، في ظل المفاجأة والصدمة التي أحدثتها الخطوة الإماراتية، إلا أن ثمّة دلائل قوية على أن القرار الإماراتي لم يكن وليد اللحظة، أو كما ذهبت بعض التفسيرات، رد فعل عاجلا على التخلي الأميركي وخذلان ترامب لدول الخليج في مواجهة طهران، فليس مصادفة أن يتزامن خروج الإمارات الجزئي من اليمن مع الإعلان الرسمي عن تفاهمات إماراتية إيرانية حول الحدود البحرية بينهما والملاحة في الخليج. ثم يتلو ذلك مباشرة تحرّك القوى الجنوبية الموالية للإمارات، فتسيطر على مواقع عسكرية ومؤسسات حكومية، لترسم صورة أكثر وضوحاً وتعبيراً عن حقيقة ميزان القوة والسلطة في الجنوب، ميدانياً وسياسياً.
والأهم من هذه التحولات المتتابعة من أبو ظبي وحلفائها في جنوب اليمن الهدوء الذي قوبلت به في الرياض. وبعيداً عن ذلك، جاء رد فعل السعودية شديد العقلانية، بما يثير التساؤل حول حدوث تغير في الحسابات السعودية أيضاً، وليس فقط الإماراتية.
مفهوم ألا تعلن الرياض موقفاً سلبياً، أو تتخذ إجراء متشنجاً تجاه المأزق الذي وضعتها فيه أبو ظبي، غير أن التعاطي السعودي مع المفاجأة الإماراتية تجاوز هذه الحدود، إلى حد دفع بعض اليمنيين إلى اتهام الرياض بالتخلي عن وحدة اليمن، بل طاولت الانتقادات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي نفسه، كونه اكتفى بالاستنجاد بالسعودية.
أحياناً يصعب فهم خلفيات السياستين السعودية والإماراتية وخفاياهما، خصوصاً تجاه الملفات الإقليمية ذات الصلة بإيران، ولو من بعيد. ولكن الغموض والتعقيد مفهومان في اللحظة الراهنة، خصوصا عندما تتعلق الأمور بمصائر شعوب ومستقبلها، وليس بمصالح اقتصادية أو نفوذ إقليمي كما قد يتوهم بعضهم.
وحين تضيق الخيارات إلى حد المفاضلة بين يمن موحد شكلياً ممزّق فعلياً، تسيطر عليه مليشيات متناحرة يوازن بعضها بعضاً، أو الانهماك في حرب استنزافٍ لا أفق واضحاً لتحقيق غرضها الأساس بكسر الحوثيين وتحجيم الخطر الإيراني. ربما يكون الخيار السعودي، وليس فقط الإماراتي، الانسلاخ من المستنقع اليمني، وتركه لأهله يتطاحنون ويتقاتلون عبر أنحائه ومكوناته: قبائل وعشائر، شيعة زيديين وسُنة، إخواناً مسلمين ودواعش، انفصاليين ووحدويين. ويصير اليمن يمنين، وربما أكثر.
وليس بعيداً عن الأذهان، كيف كان علي عبدالله صالح قادراً على الجمع بين أطراف متناقضة المصالح والسياسات، حول هدف واحد، هو الإبقاء عليه حاكماً لليمن. وكان يتنقل في تحالفاته من طرف إلى آخر، ويعود مرة أخرى، بسرعة وخفة تبهر أعداءه قبل أصدقائه. ويذكر التاريخ أن ثمانية من بين عشرة قادة ورؤساء لليمن (المقسّم ثم الموحد) تعرّضوا للاغتيال بأيدي مقرّبين أو الإزاحة بتدبير حلفاء.
ويبدو أن عدوى التحول السريع والحاد انتقلت من اليمنيين أنفسهم إلى الأطراف المعنية بالشأن اليمني، فقد بدا التحول الجذري في موقف الإمارات ودورها في الساحة اليمنية، كما لو كان سيناريو لأحد أفلام الأكشن والإثارة. وعلى الرغم مما فرضته هذه الخطوة من تساؤلات وشكوك حول التنسيق والتفاهم الإماراتي والسعودي في اليمن، في ظل المفاجأة والصدمة التي أحدثتها الخطوة الإماراتية، إلا أن ثمّة دلائل قوية على أن القرار الإماراتي لم يكن وليد اللحظة، أو كما ذهبت بعض التفسيرات، رد فعل عاجلا على التخلي الأميركي وخذلان ترامب لدول الخليج في مواجهة طهران، فليس مصادفة أن يتزامن خروج الإمارات الجزئي من اليمن مع الإعلان الرسمي عن تفاهمات إماراتية إيرانية حول الحدود البحرية بينهما والملاحة في الخليج. ثم يتلو ذلك مباشرة تحرّك القوى الجنوبية الموالية للإمارات، فتسيطر على مواقع عسكرية ومؤسسات حكومية، لترسم صورة أكثر وضوحاً وتعبيراً عن حقيقة ميزان القوة والسلطة في الجنوب، ميدانياً وسياسياً.
والأهم من هذه التحولات المتتابعة من أبو ظبي وحلفائها في جنوب اليمن الهدوء الذي قوبلت به في الرياض. وبعيداً عن ذلك، جاء رد فعل السعودية شديد العقلانية، بما يثير التساؤل حول حدوث تغير في الحسابات السعودية أيضاً، وليس فقط الإماراتية.
مفهوم ألا تعلن الرياض موقفاً سلبياً، أو تتخذ إجراء متشنجاً تجاه المأزق الذي وضعتها فيه أبو ظبي، غير أن التعاطي السعودي مع المفاجأة الإماراتية تجاوز هذه الحدود، إلى حد دفع بعض اليمنيين إلى اتهام الرياض بالتخلي عن وحدة اليمن، بل طاولت الانتقادات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي نفسه، كونه اكتفى بالاستنجاد بالسعودية.
أحياناً يصعب فهم خلفيات السياستين السعودية والإماراتية وخفاياهما، خصوصاً تجاه الملفات الإقليمية ذات الصلة بإيران، ولو من بعيد. ولكن الغموض والتعقيد مفهومان في اللحظة الراهنة، خصوصا عندما تتعلق الأمور بمصائر شعوب ومستقبلها، وليس بمصالح اقتصادية أو نفوذ إقليمي كما قد يتوهم بعضهم.
وحين تضيق الخيارات إلى حد المفاضلة بين يمن موحد شكلياً ممزّق فعلياً، تسيطر عليه مليشيات متناحرة يوازن بعضها بعضاً، أو الانهماك في حرب استنزافٍ لا أفق واضحاً لتحقيق غرضها الأساس بكسر الحوثيين وتحجيم الخطر الإيراني. ربما يكون الخيار السعودي، وليس فقط الإماراتي، الانسلاخ من المستنقع اليمني، وتركه لأهله يتطاحنون ويتقاتلون عبر أنحائه ومكوناته: قبائل وعشائر، شيعة زيديين وسُنة، إخواناً مسلمين ودواعش، انفصاليين ووحدويين. ويصير اليمن يمنين، وربما أكثر.