يمكنك العبور... إنّه الرجل الأخضر

11 ديسمبر 2016
الرجل الأخضر (جون ماكدوغال/ فرانس برس)
+ الخط -
في ألمانيا، وتحديداً في شرقها، ما زالت هناك شارات تعود إلى ما قبل الوحدة. وظيفة هذه الشارات الإنسانية هي تسهيل حركة مرور المشاة. وبعد الوحدة، أصرت ألمانيا الشرقية على الحفاظ عليها

الرجل الذي يقف في قلب شارة المرور في ألمانيا، والذي يرتدي قبعة خضراء، ويسمّى "الرجل الإنساني"، عادة ما يرى في شرق ألمانيا أكثر من غربها، وهو مسؤول عن تنظيم حركة المشاة في البلاد. كان قد ظهر في شرق ألمانيا في عام 1961، علماً بأنّ الولايات المتحدة تعد أول دولة بدأت في تنظيم حركة المشاة في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك من خلال إنشاء ممرات خاصة بهم.

في أوروبا، كان هناك اعتماد على الأرقام والصور التوضيحية في بادئ الأمر لتنظيم حركة المشاة والسيارات، قبل الاستعانة برجل المرور (الأخضر والأحمر)، والذي يسمى الشارة المرورية الإنسانية، وقد ظهر للمرة الأولى في جمهورية ألمانيا الديموقراطية (ألمانيا الشرقية سابقاً)، في عام 1961. ويعود الفضل إلى المخترع، كارل بيغلاو، الذي بذل جهداً كبيراً في تصميم شارة ضوئية مميزة للمشاة. وقد اختار تصميم الرجل الأخضر بشكل فكاهي ومرح. كان يرتدي قبعة، ويظهر من خلال حركة ذارعيه وقدميه أنّه يمشي. أما الأحمر، فيرتدي قبعة أيضاً إلّا أنه يقف من دون حراك. هكذا، يعرف المشاة متى يمكنهم التقدم. بيغلاو أخذ في الاعتبار الأطفال وكبار السن. وعرف هؤلاء، من خلال وضعية الرجل الأخضر والأحمر ما إذا كان يمكنهم السير أم يتوجب عليهم التوقف.

هذه الإشارة التجريبيّة وضعت في برلين، وفي شارع فريديش تحديداً. وبعد نحو ثماني سنوات، انتشرت بشكل كبير في ألمانيا الشرقية، وكثرت الإعلانات عنها في الإذاعات ومحطات التلفزة والروضات والمدراس. وتشير بعض الدراسات إلى أن شارة المرور الإنسانية في شرق ألمانيا كانت أكثر حيوية مما كانت عليه في غرب ألمانيا. وكان الرجل الأخضر الإنساني يحتلّ مساحة أكبر في شارة المرور في شرق البلاد، على عكس الرجل نفسه في غربها.

بعد سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا، كان هناك نقاش طويل بين الشرق والغرب حول شارة المرور الإنسانية، برجليها الأخضر والأحمر. رفض مواطنو شرق ألمانيا التخلّي عن رجلهم الإنساني، بل تمسكوا به ومنعوا اندثاره، في وقت حاول فيه الألمان في ألمانيا الغربية الاستغناء عنه، وتمرير قانون مروري جديد من دون أن ينجحوا.

هكذا، بقي رجل الشارة الإنساني الشرقي ثابتاً ولم يتزحزح. واللافت وجود شارات مرور غربية وشرقية في برلين حتى اليوم. إلّا أن مقاطعة بافاريا الغربية رفضت إدخال رجل الشارة الإنساني، واحتفظت بشارتها المرورية الغربية. غير أنّ الدراسة التي أعدّت في عام 2013، وحملت عنوان "الفعالية البصريّة بين شرق ألمانيا وغربها"، والتي قدمتها المتخصصة في علم الأعصاب، كلوديا بيشكه، أظهرت أهمية شارة المرور الشرقية لناحية الأداء الوظيفي والفعاليّة، لتتفوق على نظيرتها الغربية.

بعد الوحدة، كان هناك اقتراح بتصميم فتاة مروريّة على غرار الرجلين الأخضر والأحمر، على أن يكون لها ضفيرتان من باب المساواة، إلا أنّ الاقتراح بقي حبراً على ورق. من جهةٍ أخرى، فإنّ رجل الشارة الأخضر يعدّ اختراعاً حكراً على ألمانيا، ولا يمكن اعتماده في بلد آخر. وعادة ما يباع على شكل طبعات خاصة أو ملصقات وغيرها في العديد من المحال التي تبيع سلعاً تذكاريّة. ويقبل السياح على شرائها كون هذا الرجل أحد رموز ألمانيا المميّزة.

كذلك، عمد الناس في ألمانيا الشرقية إلى إنقاذ شارة مرور أخرى بعد الوحدة، وتعدّ فعّالة لناحية تسهيل حركة السير، وهي عبارة عن سهم أخضر صغير يوضع إلى جانب شارة المرور لجهة اليسار أو اليمين. فإذا كنت تنوي الالتفاف إلى اليمين وكانت شارة المرور تحمل هذا السهم الخارجي، عليك أن تتوقف قليلاً ثم التقدم بالسيارة ومراقبة السيارات الأخرى إذا لم تكن هناك سيارات تستطيع الانعطاف إلى اليمين. ويصح الأمر في حال كنت تنوي الذهاب يساراً. هذا السهم الصغير الذي يفرض عليك الانتظار عند شارة المرور قبل التقدم، يصعب إيجاده عادة إلا في شرق ألمانيا. وإن وجد في غربها، فكثيرون لا يعرفون كيفية التعامل معه.

من جهةٍ أخرى، يعدّ عبور الشارع في ألمانيا حين تكون الشارة حمراء مخالفة يعاقب عليها القانون الألماني، حتى لو لم تكن هناك أية سيارة. وقلة فقط يجرؤون على فعل ذلك. الناظر إلى هذه الشارات قد يعرف أنها جزء من الماضي، الذي أصر الألمان على الحفاظ عليه.


دلالات