يزن أنزور بين ركام بيروت

15 اغسطس 2020
يستخدم أنزور دمار المدينة جزءا من استعراضه (حسين بيضون)
+ الخط -

قبل مضيّ 48 ساعة على كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي راح ضحيته مئات القتلى وآلاف الجرحى، وفي الوقت الذي كانت فيه فرق الإنقاذ لا تزال تبحث بين الأنقاض عن مفقودين، طرح المخرج السوري الشاب، يزن أنزور، فيديو كليب لأغنية "بيروت ما بتموت".

الأغنية تشارك في أدائها سارة درويش وأحمد حلاق وماهر منصور، وهي من كلمات أيمن مارديني وألحان شادي جارور، ومن إنتاج "يلا ميديا نيتوورك". تم التسويق للأغنية باعتبارها صوت السوريين المتعاطفين مع الشعب اللبناني في مصائبه، لكن الشريط التسويقي تضمّن أيضاً بعض العبارات التجارية الرخيصة التي بينت أن العمل ما هو إلا محاولة للاستثمار في مأساة أهالي بيروت، إذ شُدد فيها على قدرة الفريق الفني وسرعته في إنجاز العمل، فذُكر أن الأغنية صُورت بعد 25 ساعة فقط من انفجار مرفأ بيروت.

أما الصفحات السورية الفنية، فقد تناقلت الخبر وأشادت بأول كليب ينتجه يزن أنزور، مع حديث مطول عن أفلامه القصيرة التي حصدت معظم الجوائز الممكنة، التي تمنحها "المؤسسة العامة للسينما" في سورية. كما انتهزت هذه الصفحات المناسبة للإشادة بأبيه، نجدة إسماعيل أنزور، مع الإشارة إلى أن الأخير هو أول مخرج أدخل الفيديو كليب إلى العالم العربي.

هذه المشكلة الأخلاقية التي نلمسها عند قراءة النشرات والإعلانات التي سوقت لأغنية "بيروت ما بتموت" هي مشكلة تلازم الأغنية بكل تفاصيلها؛ إذ إن يزن أنزور يتعاطى في الكليب الذي صوره مع دمار بيروت كديكور يزين به أغنيته، ويتعاطى مع الأضرار الجسدية الناجمة عن الدمار كمكياج يزين به المؤدين الثلاثة الذين يضيع دورهم في المشهد ما بين الشخص المتعاطف أو الضحية. ليس غريباً أن يكون يزن أنزور هو السبّاق لاستثمار هذه المأساة الإنسانية في صناعة عمل فني؛ فأبوه كان من أوائل المخرجين الذين حولوا المدن السورية التي دمرها النظام السوري إلى مواقع تصوير، ليكون الدمار فيها قطع ديكور جاهزة يستثمرها لإنتاج أعمال فنية. كل ما قام به أنزور الابن هو نقل تجربة أبيه الفنية اللاأخلاقية من سورية إلى لبنان، ليدخل في سباق مع الزمن ويكون أول من يستثمر دمار مدينة بيروت في فيديو كليب.

لا يختلف الكليب الذي صوره يزن أنزور في بيروت المنكوبة عن الأفلام التي صورها أبوه في المدن السورية المدمرة من حيث النهج؛ ففي جميع هذه الأعمال لا يظهر على الشاشة سوى الضحايا الذين يسعون جاهدين إلى كسب التعاطف، عبر استعراض الدمار الجسدي والأضرار المادية التي علينا أن نصادق على أنها ناجمة عن مؤامرات خارجية وأيد خفية، وكأن هذه الأعمال الفنية تدعو إلى استمرار الوضع القائم كما هو عليه، فلا تطالب بتغيير سياسي ولا تحمل أحدا المسؤولية؛ بل كل ما هو مطلوب هو الحزن والتعاطف. ربما تفوق يزن أنزور على أبيه عندما اختزل منهجه كاملاً في فيديو كليب لا تتعدى مدته خمس دقائق. 

يشار إلى أنه لا يتم إبراز اسم أنزور من قبل إعلام النظام السوري فقط باعتباره نجل رئيس مجلس الشعب نجدة أنزور، وإنما أيضاً بسبب "الدور الذي يمارسه في التأثير على الجيل الشاب في سورية المقبل على صناعة سينما مستقلة"، إذ يتم دعمه وتكريمه ومنحه الجوائز من قبل "المؤسسة العامة للسينما"، لما يقدمه من محتوى في أفلامه يخدم بروباغندا النظام، ويساهم في تلميع صورة هذا الأخير.

المساهمون