رغم تصدر الشباب مشهد الثورة التونسية، ورفعه شعاراتها الأساسية، من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"الشعب يريد مجلساً تأسيسيّاً"، وذلك في أحداث القصبة 2، وهي الأحداث التي سقطت على إثرها حكومة، محمد الغنوشي، وزير الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، إلا أن المشاركة الشبابية في الحياة السياسية بعد انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، كانت متواضعة، حيث كان الشباب في المجلس الوطني التأسيسي، في أغلبيتهم مرشحين عن أحزاب كبرى، مثل حركة النهضة، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
لكن، وعن دور النواب الشباب في المجلس الوطني التأسيسي، يمكن القول، إن قلة عدد الشباب النواب داخل المجلس الوطني التأسيسي، لم تكن حائلاً دون أن يتميزوا في كتابة الدستور، أو في أعمال المجلس ككل، وفي حضور اللجان التشريعية والتأثير من داخلها، إذ إن أكبر نسبة حضور للجلسات، بلغت 100%، للنائبة الشابة عن حركة النهضة، جوهر التيس (27 عاماً)، فيما كان لعديد الشباب النواب الدور الكبير في أعمال ومنجزات المجلس الوطني التأسيسي، إذ كانت المحامية الشابة، سناء مرسني، مقررة لجنة التشريع العام، وهي أهم لجنة تشريعية في المجلس الوطني التأسيسي، فيما لم يتمتع النائب أسامة الصغير (30 سنة) بعطلة زواجه، ليساهم في جلسة التصويت على الدستور التونسي.
ولئن كان أداء الشباب، من حيث الحضور والكفاءة، في المجلس التأسيسي مشهوداً له، إلا أن الروح الثورية المتقدة لدى شباب الثورة، سرعان ما تراجعت بعد دخولهم المجلس الوطني التأسيسي، حيث انخرط الشباب في خط أحزابهم داخل المجلس، وكانوا رجع صدى لما ينسج في غرف وجلسات القرار الحزبي، يرفعون أيديهم للتصويت على قرارات لم يشاركوا في صياغتها، ولعل هذا الوضع طال مجمل الأحزاب الموجودة على الساحة التونسية، بين شباب موجود يشارك في التصويت، وبين أحزاب لا يوجد فيها شباب في هياكلها، وبقيت تراهن على المناضلين الكهول وقدماء الناشطين السياسيين.
الشباب في الدستور التونسي
نص الفصل الثامن من الدستور التونسي على أن "للشباب قوة فاعلة في بناء الوطن. وتحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب، وتفعيل طاقاته، كما تعمل على تحمله المسؤولية، وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية".
وبهذا، فإن الدستور التونسي يقر للشباب بأنه ليس محض مكون عادي من مكونات المجتمع، إنما يرقى إلى درجة قوة الدفع التي تساهم في بناء الوطن، وتحرص الدولة على تنمية قدرات الشباب وتسهيل الطريق أمامها، وهو ما يعتبر نقلة في المنظومة القانونية التونسية، حيث لا نجد في كل النصوص القانونية منذ الاستقلال، حتى عشية كتابة دستور الثورة، أي إشارة للشباب كعنصر فاعل في المجتمع، ويبقى التقسيم القانوني في تونس مقتصراً على تحديد سن الرشد، فيما أمعن النظام البائد في تحويل الشباب إلى فولكلور بلا محتوى، وفي عقد ملتقيات اقتصرت على أبناء الحزب الحاكم آنذاك، فيما بقي آلاف الشباب التونسي خارج حسابات السلطة، مما أدى إلى ثورة شعبية، شاركت فيها كل الشرائح العمرية، وكان للشباب نصيب الأسد في إسقاط رأس النظام في 14 يناير/كانون الثاني 2011، ثم في إسقاط حكومة النظام في اعتصام القصبة 2.
إن أول دور لعبه الشباب في كتابة الدستور، هو مطالبته بمجلس وطني تأسيسي، ورفضه الحل الترقيعي المتمثل في تعديل دستور 1959، وإصراره على إرساء انتقال ديمقراطي فعلي، يؤسس لمرحلة جديدة تقطع مع منظومة الفساد والاستبداد، وتجذر الحريات في البلاد. وبذكر تأكيد الدستور الحالي على أن الشباب قوة بناء للوطن، يفترض استحضار أن الشباب كان قوة هدم نظام الديكتاتور ومنظومته.