يا شمس عمري

28 ديسمبر 2016
عام سعيد! (نارندر نانو/ فرانس برس)
+ الخط -

أيّام أربعة، ويأفل عام. أيّام أربعة، ويهلّ آخر.. نتمنّاه "عاماً سعيداً".

تتكرّر الأمنية مع نهاية كلّ محتجب يُفسِح المجال أمام وافد. تتكرّر الأمنية جزافاً.. أو قُلْ تلقائياً ببغائياً. نتمنّاه "عاماً سعيداً" لـأحبّاء وأعزّاء، ولآخرين نصادفهم.. آخرين ليسوا غالين. فتضحي الأمنية "تحيّة" تُضاف إلى قائمة طويلة من التحايا، ليست "صباح الخير" أولاها ولا "مساء الخير" آخرها.

تتكرّر الأمنية، كأنّما في دواخلنا نرجو أن يكون عامنا - نحن - سعيداً. نتمنّاه لآخرين، لعلّ الخير الضمنيّ يرتدّ علينا. الخير. كم نحن في حاجة إليه. جميعنا في حاجة إلى بعض منه، ليس في استهلال عام جديد فحسب، إنّما في هذه اللحظة بالذات وفي تلك التي تليها. كم كنّا في حاجة إليه في اللحظة التي سبقتها.

في نهاية كلّ عام، نسلّم - كلّ واحد منّا يفعل - بأنّ الخير الضمنيّ الذي سبق وتمنّيناه لأعزّاء أو لآخرين من باب الواجب أو اللباقة، لم يرتدّ علينا. ربّما لم نتمنَّه بكلّ ما أوتينا من عزم. ربّما لم نتمنَّه بصدق. ونشعر بشيء من الذعر. إلى الخير الذي لم ننل نصيبنا المشتهى منه والذي نعدّه حقاً مشروعاً لنا، ندرك أنّنا خائبون. لم نخسر أواناً من وجودنا خلال العام الذي يوشك أن يتوارى فحسب، إنّما فقدنا بعضاً من ذلك الوجود.. وفقدنا بعضاً منّا.

في جردة سريعة، لسنا في حاجة إلى أكثر من ذلك، ندرك الفقد الذي مُنينا به. هي جردة سريعة، بعيدة عن تلك التي غالباً ما نتحدّث عنها.. "قرارات العام الجديد" التي لم نلتزم بها و"توقّعاتنا للعام الجديد" التي خابت. في جردة سريعة، ندرك أنّ حجم الفقد يتفاقم عاماً بعد عام. هو فقد يطاول نقاط توازن لطالما استندنا إليها، وإن من دون وعي. نقاط توازن واستدلال ساهمت في تشكيلنا. نقاط ارتبطت بمحطّات طبعتنا وبأشخاص خلّفوا بصماتهم في روحنا.

حافلاً بالخسائر، كان العام الذي ننتظر أفوله. ونستعجل انقضاءه، عبثاً. كأنّما الأيّام الأربعة، أشبه بدهر. كأنّما العدّ التنازليّ لن يبلغ خواتيمه. ونخاف من خسائر أكبر. الأيّام الأربعة تحتمل الكثير. أمّا نحن، كلّما فقدنا صاحب بصمة، تبدّد بعض من روحنا. الموت غيّب كثيرين، وكذلك فعلت الحياة.

قبل أيّام، انتقلت منى مرعشلي إلى رحمة الله. معها، اصطحبت فتاة صغيرة لم تبلغ العاشرة من عمرها، كثيراً ما وقفت وسط أهلها وأصدقائهم وراحت تصدح "حتى الأيام قسيت عليَّ.. والنوم بطّل يسأل بيَّ.. يا شمس عمري غيبي (...)". لم تفقه الصغيرة أيّاً من مفردات تلك الأغنية في ذلك الزمن، إلّا أنّها كانت تصرّ على أنّ مؤدّيتها هي الأحبّ إلى قلبها. ولمّا رحلت، حملت معها - تماماً كما فعل آخرون - بعضاً من روح امرأة كانت في يوم صغيرة تغنّي "يا شمس عمري غيبي".


المساهمون