يا أهل المسرح... إنتفضوا على من يسرق أدواركم

06 مارس 2015
أهل المسرح الذين تُراق حقوقهم بخناجر تجّار الشاشة
+ الخط -
جرائم لا تُحصى تقع كلّ يوم بحقّ الفنّ وأهل الفنّ في لبنان، لكن تبقى الحصّة الأكبر لأهل المسرح الذين تُراق حقوقهم بخناجر تجّار الشاشة. وصلنا إلى زمنٍ بات فيه طبيعيّاً وغير مستغرَبٍ أن يسأل مقدّم برنامجٍ ما ضيفته المغنّية: "هل تفكّرين بدخول عالم التمثيل؟" فتجيبه، ويكون جوابها متوقّعاً وغير مثير للتعجّب: "ليس الآن، فأنا قد خطوت للتوّ خطوةً كبيرة من عالم عرض الأزياء إلى عالم الغناء".

نعم، قد بات هذا الحوار عاديّاً لا يثير جدلاً ولا يخلق أيّ عقدة، فنحن في عصر الانفتاح... وهذا خطر كبير. أمّا الخطر الأكبر فيظهر حين يسأل مقدِّمٌ آخر السؤال نفسه لإحدى الجميلات، كائناً من كانت ومهما كان اختصاصها، فتجيبه "بصدقٍ وعفوية"، بعيداً من كلّ الكليشهات لكن دون أن تبتعد عن الجدّية والرصانة: "يمكن أن أقبل أيّ دور يُعرَض عليّ إذا وجدتُ أنّه مناسب لي".

وكأنّ بين ليلةٍ وضحاها يستطيع كلّ مَن قرأ دوراً أن يحدّد مقياس تَنَاسب الدور مع شخصيّته وقدراته (إن كانت موجودة). وكأنّ هذا الجواب يطيح كلّ ما لكلمة "تجربة" من معنى، فتذهب كلّ تجارب الممثلين الحقيقيّين الذين أمضوا معظم سنين حياتهم وهم يحاولون الوصول إلى قمّة عطائهم، وفي كلّ مرّة يظنّون فيها أنّهم وصلوا يكتشفون أنّهم في الواقع ليسوا إلّا عند باب مرحلةٍ جديدة قطعوها.

وإذا سألنا اليوم أحد الممثلين الذين أمضوا أكثر من عشرين أو حتّى ثلاثين عاماً في عالم المسرح عن رأيه في تجربته المسرحيّة، فمن المؤكّد سيقول إنّها تجربة متواضعة، أمّا سؤال من هذا النوع لأحد أولئك الممثلين المؤدّين فمن شأنه أن يُسمعنا محاضرة عن المسرح وعن التمثيل.

أمّا الخطر الخطر فيمكن أن نراه يحدق بنا، يحاصرنا، يمتدّ إلى أعناقنا وأعناقكم، أيا أهل المسرح، بمجرّد أن نتنقّل بين محطّاتنا الفضائية العربية فنشاهد ما لا يُعَدّ من إعلانات لأفلام سينمائيّة تكتسح شاشاتنا وعقولنا وعيوننا... ومعظمها، كي لا نقول كلّها، تعتمد على ذلك أو تلك من أولئك الذين لا شأن لهم بالمسرح ولا بالتمثيل، لا من قريب ولا من بعيد.

لا يجوز، يا أهل المسرح، أن يحتلّ هؤلاء مواقعكم في التصوير، ولا أن يلبسوا أدواركم ولا أن يسلبوكم اختصاصكم ولا أن يستولوا على مهنتكم لمجرّد أنهم، أو أنّهن، لا مشكلة عندهم في الابتذال والتعرّي أمام الكاميرا وأمام مَن هم خلف الكاميرا، وخلف الإنتاج.

لا يجوز أن تقفوا مكتوفي الأيدي بعدما أمضيتم على الأقل أربعة أعوامٍ في تعلّم "رسالة التمثيل"، ولا يجوز أن تقبلوا بأن يختار المنتجون والمخرجون والكُتّاب، وكلّ مَن له علاقة بهذا المجال، أولئك المتصنّعون المفروضون علينا نحن المشاهدين المساكين، بدلاً منكم.

وفي الختام، إن كان لا بدّ من البقاء في البيت من دون عملٍ، على الأقل في مجال التمثيل، فليكن ذلك، ولكن ليس قبل أن تنتفضوا... فانتفضوا.
المساهمون