ياعلون يُطلق رسائله من "الليكود" إلى واشنطن

16 أكتوبر 2014
ياعلون ونتنياهو: مجرد اختلاف لغوي (فرانس برس)
+ الخط -

خرج وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ياعلون، أمس الأربعاء، عن فترة صمت طويلة، ليعطي مقابلات مطوّلة دفعةً واحدة، لكافة الصحف الإسرائيلية تقريباً (موقع معاريف، وموقع يديعوت أحرونوت ويسرائيل هيوم)، أبرز في خلالها تميّزه العلني عن مواقف رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، برفض حل الدولتين، مشيراً إلى أن الحرب على "داعش"، والواقع الإقليمي الراهن، يساعدان التركيز الإسرائيلي على الملفات الأمنية. ودعا ياعلون، في سلسلة المقابلات، إلى تأسيس علاقات إسرائيل مع "الدول السنية" على أساس المصالح المشتركة، لا الاتفاقيات المكتوبة والموقعة.

وحدّد ياعلون السقف الأعلى لحجم "التنازلات الإسرائيلية المؤلمة" كثمن لاتفاق ما مع الفلسطينيين، معلناً أن أقصى ما سيحصل عليه الفلسطينيون في المفاوضات مع إسرائيل هو "حكم ذاتي فلسطيني، ويمكن من وجهة نظري أن يطلقوا عليه الإمبراطورية الفلسطينية".

ومع أن إعلان ياعلون يبدو جديداً ومخالفاً لمواقف نتنياهو المعلنة، خصوصاً لناحية التزام الأخير في لقائه مع الرئيس باراك أوباما بحل الدولتين لتفادي دولة ثنائية القومية، إلا أنه يكشف في واقع الحال الموقف السياسي الإسرائيلي الثابت منذ 14 عاماً والقائل بضرورة إدارة الصراع مع الفلسطينيين والتوجه نحو حلول مرحلية طويلة الأمد.

وفي هذا السياق، فإن إعلان ياعلون هو تكرار لتصريحات سابقة له، إلا أن الجديد فيها اليوم، هو إعلانه ذلك على شكل عرض لعقيدته التي تُظهر نوعاً من الاختلاف عن مواقف نتنياهو المعلنة، وقد يكون ذلك سببه رغبة ياعلون باستمالة تأييد أعضاء حزب الليكود، خصوصاً مع بدء الحديث عن صفقة داخله لتقديم موعد الانتخابات الداخلية في الحزب، لانتخاب المرشح لرئاسة الحكومة في الانتخابات النيابية العامة. انتخابات تشير دلائل جديدة إلى احتمال إجرائها في العام 2016 بدلاً من موعدها الرسمي في العام 2017.

وإذا كانت الدوافع والاعتبارات الداخلية الحزبية لياعلون تفيد في فهم وإدراك أسباب توقيت هذه التصريحات، فإن ذلك لا يمنع من الانتباه بدقة إلى رسائل ياعلون السياسية الجوهرية التي لا تبتعد عن جوهر مواقف نتنياهو وإن اختلفت البلاغة السياسية لكل منهما.

كل ذلك مع الأخذ في الاعتبار أيضاً، ما يرشح إسرائيلياً عن محاولات أميركية لإطلاق مبادرة سياسية جديدة تقطع الطريق على التحرك الفلسطيني باتجاه استصدار قرار من مجلس الأمن لتحديد العام 2016 كموعد أخير لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ومواقف ياعلون المعلنة في مقابلته مع "يسرائيل هيوم"، أمس الأربعاء، لا تشكل تكراراً لما سبق أن أعلنه الرجل، وإنما تشكل عملياً إقراراً بحقيقة السياسات الإسرائيلية الرسمية منذ اغتيال إسحق رابين، والتراجع الإسرائيلي عن أسس اتفاقيات أوسلو وبنوده، وتحويله من اتفاق مرحلي لخمس سنوات، إلى نفق طويل لا ينتهي من جولات التفاوض التي ترافقها مواصلة "زراعة الحقائق" (الاستيطانية) على الأرض وتراجع وتآكل الثوابت الفلسطينية، من رفض الاستيطان كلياً وعدم الاعتراف بشرعية المستوطنات، إلى الاعتراف الضمني بأن بقاء كتل استيطانية يهدف لضمان طرق التفافيّة (لا يجوز للفلسطينيين التنقل عبرها واستعمالها) تصل بين المستوطنات داخل الضفة الغربية المحتلة.

ولعلّ اللافت في هذا السياق إعلان ياعلون أنه لا يابه بالأسماء والمسميات الفلسطينية للكيان الفلسطيني، "حتى ولو شاؤوا تسمية كيانهم امبراطورية فلسطينية"، على حد تعبيره، بل اعتماده فقط لواقع وطبيعة هذا الكيان على الأرض. ويحدد ياعلون هذه الطبيعة بأنها تكريس الانفصال السياسي الذي يترك للفلسطينيين أن يديروا شؤونهم الداخلية، بينما تحتفظ إسرائيل بسيطرة مطلقة على الحدود والمعابر البرية والأجواء.

وتعني صراحة ياعلون هذه، أو وقاحته، أن إسرائيل، باستثناء ثلاثة أعوام هي فترة حكومة رابين قبل اغتياله، عادت عملياً، خاصة بعد فشل إيهود باراك في فرض إملاءاته على الرئيس الراحل ياسر عرفات، عادت إلى مواقف "الليكود" الجوهرية الثابتة، التي جسّدتها اتفاقيات "كامب ديفيد" المصرية، بالاعتراف بحقوق مشروعة للفلسطينيين تتم ترجمتها وتجسيدها ضمن حكم ذاتي ليس أكثر.

وبمحاولة إسقاط تصريحات ياعلون هذه على مجريات الأمور منذ انتفاضة النفق عام 1998 في عهد نتنياهو، مروراً بحكم باراك ومن ثم بحكومة أرييل شارون، نجد أن السمة الرئيسية لكل جولات التفاوض الإسرائيلية ـ الفلسطينية، بما فيها طروحات باراك وطروحات إيهود أولمرت، لم تتجاوز عملياً حدود الحكم الذاتي، الذي يستثني القدس المحتلة طبعاً (وليس القرى العربية المجاورة التي تحاول إسرائيل تسميتها بأنها الأحياء العربية من القدس، لتدخل ضمن "مسار كلينتون"، وضمن مسميات "الحوض المقدس").

وعلى الرغم من الخلاف اللغوي بين ياعلون ونتنياهو، فإنه من المفيد أيضاً الانتباه إلى أن رسائل ياعلون هذه موجهة ليس للناخب داخل "الليكود" لتعزيز مكانة ياعلون فحسب، إنما أيضا وبالأساس، للإدارة الأميركية ومساعي جون كيري القاضية بإطلاق مبادرة جديدة قبل انتخابات مجلسي النوب الأميركيين، إذ يعوّل نتنياهو على فوز الجمهوريين بشكل يُضعف باراك أوباما داخلياً، ما يحول دون قدرة الأخير على اتخاذ أي موقف أو خطوة باتجاه الضغط على إسرائيل في الشأن الفلسطيني.

وتشكل هذه الجزئية، نقطة ارتكاز أساسية في سياسات نتنياهو للمرحلة المقبلة، عبر إبراز البُعد الأمني بدلاً من السياسي لتسوية مع الفلسطينيين، مع توظيف كل التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط، وقي مقدمتها "الحرب على داعش والإرهاب"، لتحييد وإحباط أي ضغط من إدارة أوباما. ويتوقع كثيرون أن نشهد نشاطاً إسرائيلياً مكثفاً لتسليط أغلبية الجمهوريين المتوقعة بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، سوطاً على رقاب إدارة أوباما، لتغيير أولويات سياسته الخارجية، والتركيز على الملف الأمني الإقليمي والعالمي، بموازاة إطلاق يد إسرائيل، وتأييد مطالبها في حربها ضد المقاومة، والدعوة لنزع سلاحها كعملية مكمّلة للحرب ضد "داعش" وضد "الإخوان المسلمين"، وضمان أمن إسرائيل في الجنوب.

المساهمون