ويسألونك: ماذا يحدث في سورية؟

25 فبراير 2016
مشهد من دمار في مدينة حلب (Getty)
+ الخط -
أن تكون سورياً تعيش خارج بلادك، يعني أنّك اعتدت أن ترى ابتسامة من الأسف والتعاطف على وجه من يسألك: "من أين أنت؟" وتجيبه: "من سورية". منذ أيام، اجتمعت مصادفة بمجموعة من الشباب العرب الذين يدرسون في جامعة أجنبية، لبناني، تونسيَان، مغربية، جزائرية، وأردني، ومصري. جرعة من الغبطة ملأت قلبي دون أن أعي السبب، أنا السورية التي نشأت على محبة القومية العربية. لم أر في حياتي قطّ، مجموعة تضم هذا العدد من الجنسيات العربية خارج شاشة التلفاز، يبدو أن هذا لا يتحقق إلا في دولة أجنبية.

يشغلهم نقاشٌ حماسيّ حول المناهج الجامعية، أما أنا فأجلس بهدوء، أستمع وأستمتع بترصد الفروقات بين اللهجات العربية، أفهم معظمها. يتحدث الشاب التونسي فأقول لنفسي "يا إلهي كأن صابر الرباعي يتحدث أمامي!"، تبدو لي اللهجات المصرية واللبنانية والأردنية مألوفة، اللهجة الجزائرية مفهومة أيضاً، لولا أنها مطعّمة بالكثير من الفرنسية. لكن حين تحدثت الفتاة المغربية قلت لها "إني بحاجة لترجمان”، فضحكِت، وقالت لي إنها تفهمني تماماً كأني خرجت من مسلسل "باب الحارة"، نضحك جميعاً، وأقول لنفسي "شكراً للقنوات العربية ..دونها ربما كنا جميعاً في ورطة الآن".

بدا كل شيء طبيعياً، حتى توجه لي أحدهم بسؤال مباغت "ما الذي يحدث في سورية؟"، فالتفتت عيون جميع الجالسين إلي، أصمت. أنا الصحافية التي تعمل يومياً على مدى أربعة أعوام على الإجابة عن هذا السؤال بعينه، أجد نفسي عاجزة عن الإجابة، لكن من أين أبدأ؟ هل يمكن أن ألخّص ما يحدث في إجابة، يا لها من مهمّة!.

"حرب بكل مآسيها، العشرات يموتون كل يوم على يد نظام مجرم، والآلاف يتركون بيوتهم لطلب الحماية، لكن أحداً منهم لا يستطيع مغادرة سورية اليوم"، تتوارد الأسئلة: إحدى الطفلات في ذا فويس قالت إن داعش حاول قتلها؟ من أين أتى داعش؟ سؤال آخر: تركيا تساعد اللاجئين لما لا يذهبون إليها؟ وغيرها.

يبدو لي أن من الأفضل أن أبدأ من الصفر، أخرج هاتفي وأفتح "خرائط غوغل"، أضعه على الطاولة وأتكلم "يحد سورية من الشمال تركيا ومن الشرق العراق ومن…".

بعد دقائق فقط، كانت ملامح وجوههم قد تغيرت تماماً، يقول أحدهم "الله يفرج عنكم"، فأشعر أن عليّ أن أتوقف، حالة من الصمت والأسف عمّت المجلس للحظات.

بعض الحزن بدأ يتسرب لملامحي، ظنّوا أنهم أعادوا إليّ ذكريات مؤلمة، فحاول البعض تغيير الحديث. في الواقع كنت أحاول أن أكبت سؤالاً يغلي في قلبي "هل يُعْقَل أنكم تسمعون هذا لأول مرة!"، ثم أقول لنفسي "اصمتي يا بنت، لا فائدة من هذا السؤال". أمشي إلى المنزل وأفكاري مشوشة، أتذكر جدّتي التي كانت تردّد مع كل نشرة أخبار: "نموت هنا والعرب يتفرّجون"، هه يا جدتي من قال لك أنهم يتفرجون!. ثم تأتي لذاكرتي تلك الناشطة الحقوقية الفرنسية التي قابلتها منذ أسابيع، يومها دار بيننا نقاش باللغة الإنكليزية سألتني عن حلب، عن قلعتها وعن جامعتها، وعن خيارات النازحين على الحدود وأحوالهم، ولمّا كنت أجيبها كانت تردد "أعلم، هذا صحيح، لقد قرأت هذا".


المساهمون