وهم التفوّق الصهيوني..

12 يوليو 2014

دبابات إسرائيلية عند الحدود مع قطاع غزة (نوفمبر/2012/Getty)

+ الخط -

بغضّ النظر عن مآلات العدوان الجديد على غزة، أو تطوراته الميدانية، على أهميتها الشديدة، فإن الحدث كشف جملة من الحقائق والبديهيات التي ظلت باهتة لكثرة ما أهيل عليها من ركام الأكاذيب. ويمكن، في هذا السياق، التأشير إلى أمرين مركزيين، أولهما يتعلّق بوهم التفوّق الصهيوني، والثاني بخرافة القيم الإنسانية التي تُرفع شعاراً في العلاقات الدولية.

إن محاولة الكيان الصهيوني اجتياح غزة، يمثّل مناسبةً تكشّفت فيها جملة العوامل التي تحكم بقاء ونمط  تصرف هذا الكيان، وإذا انطلقنا من تعريف عبد الوهاب المسيري إسرائيل بوصفها دولة وظيفية، يخضع وجودها إلى حسابات الأطراف التي صنعتها، فإنه يمكن القول إن هذه الدولة لا تستمدّ مقوّمات بقائها من ذاتها، أي هي لا تملك مقوّمات الشعب الراسخ الجذور، بقدر ما تمثّل مجموعة هجينة، تجمعها المصلحة أكثر من أي عامل آخر، وهي مدينة في استمرارها لعاملين: دعم غربي لامحدود، في مقدمته ما تبذله الولايات المتحدة من أموال، وما تهيّئه لها من نفوذٍ، لأجل ضمان استمرار الكيان، وتطبيع وضعه في جغرافيا المنطقه، على الرغم من أنف التاريخ.
والعامل الثاني، تواطؤ إقليمي واضح، حيث تحولت الدول المحيطة، خصوصاً ما تسمى "دول الاعتدال العربي"، إلى راعٍ حقيقي للمصالح الصهيونية، بسبب التشابك الواضح بين مصلحة الأنظمة الإقليمية (وحرصها على البقاء)، ومصلحة الكيان الصهيوني في أن يجد له موطئ قدم داخل المنطقة، ومصلحة الولايات المتحدة، باعتبار أن إسرائيل، في النهاية، ليست إلا رأس حربة للمشروع الإمبراطوري الأميركي.

وعلى هذا، يمكن القول إن ما يبدو تفوّقاً صهيونياً هو، في الواقع، ليس أمراً لازماً لحال الكيان، بقدر ما هو مرتبط برغبة المحيط في الاستكانة والضعف، وإلا بماذا نفسّر فشل هذه القوة الساحقة في المنطقة، في حربيها ضد غزة (2008 و2012)، وعجزها عن تحقيق مكاسب حقيقية على الأرض، وهي التي أطاحت ثلاثة جيوش رسمية في ستة أيام، ثم استوت على المنطقه سيداً وراعياً؟ أكثر من هذا، فقد تمكنت المقاومة الفلسطينية، على الرغم من التفاوت في إمكانات التسليح، من إحداث نوع من توازن الرعب، خصوصاً بعد القدرة الصاروخية المهمة التي كشفت عنها المقاومة، وتهديدها كل المستوطنات والتجمعات السكنية الصهيونية.
وتعبّر هذه التفاصيل عن أن الكيان الصهيوني لم يواجه، إلى اليوم، حرباً حقيقية من الدول العربية. أعني حرباً تكون فيها إرادة العرب صادقة، وإمكاناتهم موحّدة. حينها، سنكتشف مدى عجز هذا الكيان، وعدم قدرته على خوض حربٍ طويلة الأمد.

في ما يتعلق بزيف المنظومة القيمية، مثل هذا العدوان مناسبةً لندرك أن الغرب، ونعني به أصحاب السلطان فيه، لا يؤمنون بالديمقراطية، أو بالحرية، وبحق تقرير المصير، إلا وفق ضوابط المصلحة، وليس اعتقاداً في كونية هذه القيم وإطلاقيتها، وتجاوزها كل الخصوصيات، مهما كانت، وإلا بماذا نفسّر رفض الدول الغربية الاعتراف بشرعية حكم حركة حماس، على الرغم من فوزها في الانتخابات، ومجيئها إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع بأغلبية مريحة، ودعمها، في المقابل، أنظمة انقلابية دموية في المنطقة؟ الأمر، هنا، لا يتعلق بإسلامية "حماس"، أو علمانيتها، وإنما يرتبط ببرنامجها المقاوم، وهو ما لا ترضى عنه هذه الدول.

وبهذا، ندرك أن الدول الغربية التي تدخلت، وضغطت بقوة، من أجل استقلال تيمور الشرقية عن أندونيسيا، وبذلت جهوداً من أجل محاكمة عمر البشير، دفاعاً عن حقوق الإنسان في إقليم دارفور، وتدخلت في كوسوفو ضد يوغوسلافيا، وتغاضت عن جرائم بشار الأسد في سورية، ودموية الانقلاب المصري، وقبل هذا وذاك، بشأن جرائم الكيان الصهيوني البشعة، أصبحت، اليوم، صامتة، لا ترى في غزة إلا ساحةً لإرهابيين ينبغي اجتثاثهم من  الجذور.
في النهاية، يمتدّ زيف القيم نحو الدول العربية جميعاً، لندرك لماذا تؤيد الأنظمة الغربية الديكتاتوريات، وتثني عليها، وتمنحها صكوك البراءة، لأنها تعلم، قبل غيرها، أنه لولا الأنظمة الجاثمة على صدور الشعوب العربية، لما استطاعت أن تمنح الكيان الصهيوني شرعية الوجود، ولا أن تفرضها بوصفها لاعباً استراتيجياً في المنطقة، لا يمكن إلغاؤه.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.