... وفي غزة أياد خلّاقة تصنع المنتجات الخشبية

18 ابريل 2016
ترتفع نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة (العربي الجديد)
+ الخط -
هشام غزال (49 عاماً) رجل ذو إعاقة سمعية، لديه تسعة أبناء، بينهم ستة أولاد من ذوي الإعاقة السمعية. يعمل هشام في مهنة النجارة منذ كان في سن الثانية عشرة من عمره. يرأس منذ عام 1994 منجرة جمعية "أطفالنا للصم في غزة"، وإلى جانبه عشرة عمال. يقول غزال: "تعلمت مهناً كثيرة، أبرزها النجارة، الحدادة والخياطة، لكنني عشقت مهنة النجارة، فتطورت تجربتي من عامل إلى مسؤول عن العمل. وفي كل عام، أطلق أشياء جديدة مختلفة، إلى أن وصلت إلى مرحلة الإعداد الكامل لمنتجات الأثاث الخشبي من غرف النوم والسفرة". ويضيف: "المنتجات التي نصنعها لا مثيل لها في قطاع غزة من حيث جودتها ودقتها، وهذا يعود بفضل اجتهادي واجتهاد فريق العمل، كما أنني أشارك في دورات تدريبية لإعداد الأشخاص ذوي الإعاقة". ويرى غزال أن أعماله، وأعمال فريقه، تساهم في تنمية الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، إذ أن منتجاتهم الخشبية وصلت لتباع في الأسواق الخارجية.
يختلف واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة عن الكثير من مناطق العالم، من حيث النسب المرتفعة. وبحسب آخر الإحصاءات يوجد نحو 43 ألفاً و642 شخصاً من ذوي الإعاقة أي 2.4% من إجمالي عدد السكان في قطاع غزة.
شكلت الحروب والحصار على القطاع العامل الرئيسي في ارتفاع هذه النسبة بشكل متواصل. ورغم ارتفاع أعدادهم إلا أنهم تمكنوا من إيجاد فرص لهم في العديد من المهن والأعمال، مسجلين نماذج إبداعية وإنتاجية ساهمت في تنمية الوضع الاقتصادي.


حسام نوفل (30 عاماً) مثلاً هو من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، إذ أن نسبة بصره لا تتعدى 20%، كما أنه أصم. يعمل مع غزال في المنجرة. يهتم بالأمور الحسية أكثر من البصرية. يشعر بالسعادة وهو يقوم بإنجاز عمله. يقول: "أنا سعيد جداً، لأنني حققت ذاتي في العمل، هنا لا أشعر بأي نوع من التمييز. أعمل وأتقاضى راتباً يكفي لتسديد جميع مستلزماتي". ويضيف: "أشعر بسعادة كبيرة عند خروج المنتجات إلى الأسواق، فذلك يشير إلى أن صوتنا وصل إلى العالم، وأن هناك إبداعات ومنتجات صنعت بأيادي ذوي إعاقات في غزة".

تقول داليا أبو عمرو مسؤولة الإعلام في جمعية أطفالنا للصم: "لدي العديد من الأصدقاء من ذوي الإعاقة، وهم يتمتعون بقدرات عالية، خاصة إذا توفرت لهم المهارات والخبرات والدورات اللازمة"، مشيرة إلى أن ذوي الإعاقات في غزة يتمتعون بقدرات إبداعية، والدليل، المنتجات التي يتم صنعها والتي تكون في أعلى درجات الجودة وتنافس باقي المنتجات". وتلفت إلى أن هذه المنتجات تدمج بين الحديث والتقليدي، كما أنها مصدر دخل لذوي الإعاقة ولأسرهم، بالإضافة إلى أن أعمالهم تساهم في تنمية الاقتصاد.
لا تخفي أبو عمرو تقصير الحكومات في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، وتقول: "رغم وجود قانون يرعى الفلسطيني من ذوي الإعاقة، ونصه على ضرورة انخراط 5% من هذه الشريحة في المؤسسات، لكن القانون لا يطبق بالشكل الفعال".
وترى أبو عمرو أن الحكومات تساعد هذه الفئة من الناحية الإغاثية فقط، فيما لا تساعدهم تنموياً، لذلك يسعى المجتمع المدني، إلى تقديم يد المساعدة في مجال التأهيل المهني.
أما عن المشاريع البسيطة الذاتية والتي بدأت بالانتشار في قطاع غزة لاسيما بين صفوف الأشخاص ذوي الإعاقة، يبرز الباعة المتجولون، فيرى البائع المتجول محمد كريزم الذي يعاني من إعاقة حركية مستدامة منذ طفولته، بأن هذه المهنة تعتبر وسيلة للاعتماد على النفس بعيداً عن مد يد العون، وهي أفضل حالاً من الجلوس في البيت. كريزم (30 عاماً) متزوج ولديه طفل، قام بإنشاء عربة لبيع الشاي والقهوة أمام بيته في معسكر الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة. يقول: "تمكنت من تسديد احتياجاتي الأساسية، بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب، وأعتبر أن هذا المشروع يساهم في تحريك الدورة الاقتصادية رغم بساطته".
يقول الخبير الاقتصادي معين رجب: "بإمكان أي فرد في ظل قدراته المتاحة، أن يتمسك بالقدرات التي يتمتع بها، وأن يسخرها في أعمال نافعة ومنتجة، فالأشخاص من ذوي الإعاقات ليسوا عاجزين عن العمل".
ويضيف رجب: "يوجد في غزة عشرات الآلاف من الأشخاص ذوي الإعاقة، وهم بأمس الحاجة إلى من يؤهلهم مهنياً وتعليمياً لكي يتمكنوا من المساهمة في النشاط الاقتصادي".
ويتابع رجب: "تتوفر لدى هذه الشريحة العزيمة الجامحة للانخراط في المجتمع وفي دورة الإنتاج، وهناك أمثلة كثيرة عن انخراطهم في العديد من المهن، كما لديهم دور بارز في سوق العمل، ومنهم من واصل دراسته الجامعية، وتمكن من إنشاء مشروعه الخاص".
أما بالنسبة إلى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، يقول: "يتطلب ذلك دعم الحكومة، من حيث سن القوانين والأنظمة التي تكفل لهم حقوقهم، بحيث يتم ذلك بالتعاون مع بعض المؤسسات"، مطالباً بضرورة نقل هذه الفئة من وضعية الفقر الشديد إلى وضعية الإنتاج والاستقلالية الاقتصادية والاعتماد على الذات، وبالتالي تمكينهم اقتصادياً.
المساهمون