01 نوفمبر 2024
وعيد ترامب.. ليس لنا من الأمر شيء
أكتب هذه السطور قبل إنفاذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعيده بشن هجوم عسكري على النظام السوري، انتقاما من استخدامه أسلحة كيميائية في دوما في ريف دمشق يوم السبت الماضي. وقد لا تجد هذه المقالة طريقها للنشر إلا ويكون الهجوم المرتقب قد وقع. وبغض النظر عن طبيعة الهجوم ونطاقه، ضيقا عبر قصف مواقع عسكرية للنظام، كما جرى في إبريل/ نيسان العام الماضي في مطار الشعيرات العسكري في حمص، أم واسعا، كما تقترح بعض التقارير، فإن أمرا واحدا نعرفه يقينا هو أن السوريين والعرب، ممن هم مع الهجوم الأميركي - الغربي الموعود على نظام بشار الأسد، أم ممن هم ضده، ليس لهم من الأمر شيء، وأمنياتهم أو تخوفاتهم لا تغير في واقع الأمر مثقال ذرة. إننا جميعا متلقون لا فاعلون، ونحن موضوعٌ لا طرف، كما أننا نقع في عقدة الصراعات الإقليمية والدولية، وتجري المعركة على أراضينا وبدمائنا. حال مؤلم، لكنه الواقع كما هو.
لن يختلف أصحاب الضمائر الحية في أن نظام الأسد، وداعميْهِ الروسي والإيراني، ومن يدور في فلكهم جميعا، لم ولن يرعووا عن ارتكاب جرائم بشعة ومجازر رهيبة. هم فعلوا ذلك مرارا وتكرارا، وسيبقون يفعلون ذلك، ما دام بقي في صفوف الشعب السوري من يرفض أن يخضع لطغيانهم وجبروتهم. ومن ثمَّ، فإنه وإن كان من المفهوم إثارة بعضهم شكوكا حول مسؤولية النظام السوري عن مجزرة دوما الكيميائية، خصوصا بعد أن نجح في حسم معركة الغوطة الشرقية، تقريبا، بدعم الروس والإيرانيين، غير أن هذا لا يغير شيئا من حقيقة إجرام هذا النظام، والذي قتل، ولا يزال، عبر الأسلحة "التقليدية" أضعاف أضعاف من قتلهم بالأسلحة الكيميائية.
وتقود هذه النقطة إلى مسألة أخرى، أن الولايات المتحدة، ومعها دول غربية كثيرة انتفضت
الآن بسبب الكيميائي، هي نفسها من سكتت وتسكت عن البراميل المتفجرة التي حصدت من السوريين آلافا مؤلفة، ولم نر منهم هذه "الإنسانية" الزائفة. ولعل في إعلان بعض الدول الغربية أنها تحقق في نوعية الغاز المستخدم في مجزرة دوما لتحدّد موقفها من عمل عسكري ضد النظام من عدمه ما يختزل المشهد كله. حسب هؤلاء، فإنه إذا كان الغاز المستخدم هو الكلور، حينها يمكن تفويت ذلك، أما إذا كانت المجزرة تمت بغاز السارين، مثلا، عندها سيكون هناك جواب آخر! وكان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، نفسه، قد قال بوضوح، في شهر فبراير/ شباط الماضي، إن ثمة أدلة على أن النظام السوري استخدم غير مرة الكلور في هجمات "لكن أشد ما يثير قلقنا هو احتمال أن يكون غاز السارين استخدم"، وهو الأمر الذي لم تملك واشنطن دليلا عليه، حينها، كما قال. إذن، المسألة، في المنظور الأميركي - الغربي، لا يحددها عدد الضحايا والصور الصادمة لهم، وإنما طريقة قتلهم! أيهم أكثر وحشية الآن، الغرب، أم روسيا وإيران ونظام الأسد؟ كلهم متوحشون، ويتراشقون بدمائنا، كما أوضح مقال سابق لكاتب هذه السطور في العربي الجديد (30/3/2018).
مسألة ثالثة تبرز هنا، وتتعلق بالحال الآسن والمخزي الذي وصل إليه سوريون وعرب كثيرون، عبر تمنيهم قصفا أميركيا وغربيا للنظام انتقاما من جريمة دوما، وغيرها كثير. هذا ما جنته علينا أنظمة الإجرام العربية. نقتل بأيديهم، ثم نتمنّى أن نقتل وإياهم بأيدي مجرمين آخرين! لقد أوصلتنا هذه الأنظمة، بفجورها، إلى حد أن يفرح كثيرون فينا بتدمير القدرات العسكرية لأوطاننا، والتي الأصل أنها ملك لنا، ولحمايتنا، لكننا اكتشفنا أنها سخط علينا، في حين أنها برد وسلام على أعدائنا. لا أدين من يتمنى قصفا أميركيا وغربيا لنظام الأسد، فأنا أتفهم منطلقاتهم، مع تحفظي عليها، ولكني أريد أن أسجل هنا أن هذا قاعٌ لم نبلغه في تاريخنا قط من قبل. وأن أنظمة الطغيان والتخلف العربية هي التي أوصلتنا إليه.
في ما يتعلق بداعي التحفظ على منطلقات من يرتجي ضربة عسكرية غربية لنظام الأسد، فإن
مردّه يتمحور حول حقيقة أن القاصِفَ إذا قَصَفَ فلن يَقْصِفَ من أجل السوريين، ولكن خدمة لمصالحه ولحسابات تخصه. هذه هي الحقيقة للأسف. وأعيد التذكير هنا بالنقطة السابقة، أن الولايات المتحدة، ومعها دول غربية كثيرة، لم تَتَمَعَّر وجوههم يوما غضبا لقتل السوريين بوسائل "بدائية" ولكن فتاكة، كالبراميل المتفجرة والكلور. كلنا يذكر أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عندما حدّد "خطاً أحمر" للنظام السوري عام 2012، لم يكن مرتكزا إلى قتل السوريين وسفك دمائهم بالجملة، وإنما قتلهم وسفك دمائهم بالأسلحة الكيميائية. وعندما تجاوز الأسد ذلك "الخط الأحمر" في أغسطس/ آب 2013، ويا للمفارقة، في الغوطة الشرقية أيضا، لحس أوباما "خطه الأحمر"، وامتنع عن توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد في مقابل تسليم ترسانته الكيميائية التي يبدو أنه أخفى بعضها. واليوم، نجد ترامب يسير على خطى أوباما نفسها، على الأقل إلى الآن. وقد سبق أن انتقد ترامب أوباما لعدم تفعيل وعيده بـ"الخط الأحمر"، في حين أنه هو نفسه، على الأقل حتى لحظة كتابة هذه السطور، اختزل "خطوطه الحمراء" في استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي.
باختصار، انتهينا، نحن العرب، إلى ملعب للآخرين، إقليميا ودوليا، بل إننا أيضا الكرة التي تتقاذفها أرجلهم، كما أننا أصبحنا حقل تجارب لأسلحتهم وصواريخهم وخططهم العسكرية. حتى أنظمتنا التي يظن بعضها أنه لاعب، هي ليست أكثر من أدواتٍ تستخدم حتى انتهاء صلاحيتها، وبعدها يتم التخلص منها. الأكثر مرارةً أن يتاجر الغرب الذي لا يراعي حرمة لحقوقنا، باعتبارنا بشرا، بحقوق بعض منا فقط، وفي أحيان متقطعة، وضمن سياقاتٍ تخدم أجندتهم. تُرى هل حَمِيَّةُ ترامب المفاجئة، وتصعيده اللفظي مع روسيا، ورئيسها، فلاديمير بوتين، شخصيا، في سورية، يأتي في سياق إثبات أنه ليس لعبة في يد الأخير، وخصوصا أن التحقيقات في هذا الصدد يضيق خناقها عليه، وعلى بعض من حوله؟ ليس عندنا دليل على ذلك، ولكن مجرد وجود هذه الفرضية يكشف الثمن البخس لدمائنا، بفعل أنظمةٍ تحكمنا بالنار والحديد والتخلف.
لن يختلف أصحاب الضمائر الحية في أن نظام الأسد، وداعميْهِ الروسي والإيراني، ومن يدور في فلكهم جميعا، لم ولن يرعووا عن ارتكاب جرائم بشعة ومجازر رهيبة. هم فعلوا ذلك مرارا وتكرارا، وسيبقون يفعلون ذلك، ما دام بقي في صفوف الشعب السوري من يرفض أن يخضع لطغيانهم وجبروتهم. ومن ثمَّ، فإنه وإن كان من المفهوم إثارة بعضهم شكوكا حول مسؤولية النظام السوري عن مجزرة دوما الكيميائية، خصوصا بعد أن نجح في حسم معركة الغوطة الشرقية، تقريبا، بدعم الروس والإيرانيين، غير أن هذا لا يغير شيئا من حقيقة إجرام هذا النظام، والذي قتل، ولا يزال، عبر الأسلحة "التقليدية" أضعاف أضعاف من قتلهم بالأسلحة الكيميائية.
وتقود هذه النقطة إلى مسألة أخرى، أن الولايات المتحدة، ومعها دول غربية كثيرة انتفضت
مسألة ثالثة تبرز هنا، وتتعلق بالحال الآسن والمخزي الذي وصل إليه سوريون وعرب كثيرون، عبر تمنيهم قصفا أميركيا وغربيا للنظام انتقاما من جريمة دوما، وغيرها كثير. هذا ما جنته علينا أنظمة الإجرام العربية. نقتل بأيديهم، ثم نتمنّى أن نقتل وإياهم بأيدي مجرمين آخرين! لقد أوصلتنا هذه الأنظمة، بفجورها، إلى حد أن يفرح كثيرون فينا بتدمير القدرات العسكرية لأوطاننا، والتي الأصل أنها ملك لنا، ولحمايتنا، لكننا اكتشفنا أنها سخط علينا، في حين أنها برد وسلام على أعدائنا. لا أدين من يتمنى قصفا أميركيا وغربيا لنظام الأسد، فأنا أتفهم منطلقاتهم، مع تحفظي عليها، ولكني أريد أن أسجل هنا أن هذا قاعٌ لم نبلغه في تاريخنا قط من قبل. وأن أنظمة الطغيان والتخلف العربية هي التي أوصلتنا إليه.
في ما يتعلق بداعي التحفظ على منطلقات من يرتجي ضربة عسكرية غربية لنظام الأسد، فإن
باختصار، انتهينا، نحن العرب، إلى ملعب للآخرين، إقليميا ودوليا، بل إننا أيضا الكرة التي تتقاذفها أرجلهم، كما أننا أصبحنا حقل تجارب لأسلحتهم وصواريخهم وخططهم العسكرية. حتى أنظمتنا التي يظن بعضها أنه لاعب، هي ليست أكثر من أدواتٍ تستخدم حتى انتهاء صلاحيتها، وبعدها يتم التخلص منها. الأكثر مرارةً أن يتاجر الغرب الذي لا يراعي حرمة لحقوقنا، باعتبارنا بشرا، بحقوق بعض منا فقط، وفي أحيان متقطعة، وضمن سياقاتٍ تخدم أجندتهم. تُرى هل حَمِيَّةُ ترامب المفاجئة، وتصعيده اللفظي مع روسيا، ورئيسها، فلاديمير بوتين، شخصيا، في سورية، يأتي في سياق إثبات أنه ليس لعبة في يد الأخير، وخصوصا أن التحقيقات في هذا الصدد يضيق خناقها عليه، وعلى بعض من حوله؟ ليس عندنا دليل على ذلك، ولكن مجرد وجود هذه الفرضية يكشف الثمن البخس لدمائنا، بفعل أنظمةٍ تحكمنا بالنار والحديد والتخلف.