وعود ماي لإنقاذ اتفاق بريكست: هل تكفي لإخراجها من المأزق؟

23 مايو 2019
تصر ماي على أن تنقذ سمعتها السياسية(تولغا آكمن/فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، الثلاثاء الماضي، عن خطة من عشرة وعود، على شكل حوافز لكسب أصوات ما يكفي من أعضاء البرلمان، كي تتمكن من تمرير اتفاق بريكست الذي أبرمته مع الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي، وتم رفضه من قبل البرلمان البريطاني ثلاث مرات، وينتظر أن يشهد المحاولة الرابعة بداية الشهر المقبل. وتواجه ماي موقفاً لا يحسدها أحد عليه. فعلى الرغم من صمودها في منصبها خلال الأشهر الستة  الماضية، بعد نجاتها من تصويتين على الثقة بها داخل حزبها "المحافظين" وفي البرلمان، فإنها لا تزال عاجزة عن تجاوز عقبة بريكست. وبعد تأجيلين لموعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومباحثات مطولة مع متشددي "المحافظين"، تلتها ستة أسابيع من المفاوضات مع حزب "العمال"، تجد ماي نفسها على بعد أسابيع قليلة من تحديد موعد ترك منصبها، في الوقت الذي تجرى فيه انتخابات أوروبية، وعدت مراراً ألا تشارك لندن فيها، ويتجه فيها حزبها نحو هزيمة نكراء.

إلا أن ماي تصر على أن تنقذ سمعتها السياسية عبر تطبيق أهم وعودها، وهو أن تقود بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي من خلال تمرير اتفاقها في البرلمان. وتكمن استراتيجية ماي في أن تطلق وعوداً موجّهة للجمهور الأوسع بين نواب "العمال" و"المحافظين"، الذين يمتلكون مواقف أكثر مرونة من قيادة "العمال" أو أنصار وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، مؤكدة، في الوقت ذاته، أن الطريق الوحيد لتطبيق بريكست، والذي انتخب البرلمان على أساسه، يكمن في دعم خطتها.

وبنت ماي وعودها العشرة على نقاط جمعتها خلال مباحثاتها مع مختلف الأحزاب البريطانية، يمكن لها أن تجد آذاناً صاغية بين أغلبية نواب مجلس العموم، في محاولة لدفع هؤلاء للتمرد على قياداتهم الحزبية أو ربما توليد ضغط داخلي في هذه الأحزاب. فقد وعدت ماي بأن تسعى الحكومة البريطانية لتوفير ترتيبات بديلة لخطة المساندة الخاصة بالحدود الأيرلندية قبل نهاية العام 2020، عندما تنتهي الفترة الانتقالية التالية للخروج من الاتحاد الأوروبي، ويحل موعد تطبيق خطة المساندة، والتي يرفضها متشددو بريكست والحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي. وخطة المساندة ترتيب جمركي مؤقت ينص اتفاق بريكست على تطبيقها في الفترة بين نهاية المرحلة الانتقالية وبدء تطبيق الاتفاق التجاري النهائي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والذي سيتم التفاوض عليه بعد بريكست. ووفقاً لهذه الخطة، تبقى أيرلندا الشمالية جزءاً من الاتحاد الجمركي الأوروبي لمنع نصب الحدود بينها وبين الجمهورية الأيرلندية، حفاظاً على السلم الأهلي في الجزيرة الأيرلندية واقتصادها. لكن معارضيها يرون فيها خطوة نحو فصل أيرلندا الشمالية عن بقية المملكة المتحدة، تبدأ بافتراق تنظيمي تجاري، وتنتهي بالوحدة مع دبلن. ولذلك تعهدت ماي في النقطة الثانية بأن تبقى بريطانيا ملتزمة بالقوانين ذاتها التي تلتزم بها أيرلندا الشمالية في حال تطبيق خطة المساندة، ما يعني التزاماً بالقوانين الأوروبية الحالية.

كما وعدت ماي البرلمان بأن يكون له القول الفصل في تأكيد أو رفض أهداف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي والتصديق النهائي على الاتفاقيات معه. ورسالتها هذه موجّهة إلى البرلمان ككل، إذ عانت ماي الأمرّين في كل مراحل تطبيق بريكست، لرغبة حكومتها في الاستفراد في قرار بريكست من دون العودة إلى المشرعين أو توفير أغلبية بينهم تدعم خططها. ووعدت أيضاً بمنح البرلمان حق التصويت على مقترحات بديلة للتسوية الجمركية، مبنية على مفاوضاتها مع "العمال"، بهدف كسر الجمود الحالي. وتشمل هذه الخطوة إقرار اتحاد جمركي مؤقت، يشمل البضائع فقط من دون الخدمات مع الاتحاد الأوروبي، بينما يمكن لـ"العمال" في حال كسبه للانتخابات العامة أن يطور هذا المقترح إلى اتحاد جمركي دائم مع أوروبا. وفي السياق ذاته، تعهدت أيضاً بتشريع قانون يضمن حقوق العمال، وبشكل لا يقل عن نظيراتها في الاتحاد الأوروبي. ويمتد هذا التعهد أيضاً ليشمل قوانين حماية البيئة، إضافة إلى تجارة سلسة مع أوروبا تحمي الصناعات البريطانية والوظائف التي تعتمد عليها. بينما كانت النقطة الأهم في تعهداتها أن تمنح البرلمان حق التصويت على إمكانية طرح الاستفتاء الثاني كجزء من قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي سيكون التصويت على اتفاق ماي، بداية يونيو/ حزيران المقبل، جزءاً منه أيضاً. وأكدت أنها ستسعى أن تكون هذه النقاط جميعاً مشمولة في الإعلان السياسي المرافق للنص القانوني في اتفاق بريكست.



إلا أن تعهدات ماي واجهت رفضاً شديداً من قبل عدد من وزراء حكومتها، بينما وصفها العديد من النواب بأنها "سطحية" وغير كافية. بل إن أكثر من 20 نائباً عن حزب "المحافظين" ممن دعموا الصفقة خلال التصويت الأخير، والذي خسرته ماي بفارق 58 صوتاً، أعلنوا نيتهم التصويت ضدها. وتشمل هذه القائمة أسماء مثل بوريس جونسون ودومينيك راب وجاكوب ريس موغ وديفيد ديفيس، وهم من متشددي بريكست، الذين دعموا خطة ماي في المحاولة الأخيرة فقط عندما وعدت بمغادرة منصبها في حال نجاحها في البرلمان. أما وبعدما أعلنت ماي أنها ستحدد موعد مغادرة منصبها بعد التصويت المقبل، فلا يرى هؤلاء حاجة لدعمها، بل إنهم يرون أن فشل خطتها سيسرع بمغادرتها لمنصبها، ويفتح الباب أمامهم لرئاسة الوزراء وزعامة الحزب. وعلّق جونسون على خطة ماي الجديدة بالقول إنها "تعارض برنامجنا الحزبي، ولن أصوت لصالحها". أما راب فقال "لا أستطيع دعم تشريع سيكون مدخلاً للاستفتاء الثاني أو الاتحاد الجمركي. كلا الخيارين سيعيقان بريكست بدلاً من تطبيقه، وبالتالي سيخلفان بوعودنا الانتخابية".

ولم يقتصر الرفض على متشددي بريكست، بل رفض عدد من نواب تيار الوسط في حزب "المحافظين" الخطة الجديدة المعدلة. وقال أندرو بيرسي، لقناة "بي بي سي": "أشعر بالإحباط. لقد صوتت لصالحها في المحاولتين الثانية والثالثة، ولكني قلق حقاً من احتمال الاستفتاء الثاني. لم أقرر كيف سأصوت بعد، ولكني أرى عرض الاستفتاء الثاني مقلقاً حقاً". أما روب هالفون، فقد وصف خطة ماي المعدلة بأنها "خيانة لاستفتاء 2016 وخيانة لكل شيء منذ أن أصبحت رئيسة للوزراء". ورفض حزب "العمال" على لسان زعيمه جيريمي كوربن، مناورة ماي، بالقول "لن ندعم شكلاً معدلاً من الخطة القديمة ذاتها، ومن الواضح أن هذه الحكومة الضعيفة المتفككة غير قادرة على الإيفاء بتعهداتها". كما رفض الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي دعم تنازلات ماي.

أما داعمو الاستفتاء الثاني فرأوا أن محاولة ماي دون المطلوب، إذ إنها لا تمتلك الوسيلة لتحصيل أغلبية برلمانية لدعم الاستفتاء. وقال بيتر كايل، النائب عن "العمال" وأحد متصدري الحملة، إن "رئيسة الوزراء هي سبب هذه الفوضى، وليس النواب مثلي، والذين حاولوا توفير سبل للخروج من الأزمة. إذا أضافت فقرة خاصة بالاستفتاء الثاني على مشروع القانون فإني سأدعمه. ولكن ما عرضته لا يصل إلى ذلك المستوى". وضمت زعيمة القوميين الإسكتلنديين نيكولا ستورجون صوتها إلى رافضي المقترح الجديد، بالقول "لقد قالت تيريزا ماي إن النواب الذين يصوتون ضد مشروع القانون سيصوتون لوقف بريكست. هذا بالتأكيد ما سيقوم به نواب الحزب القومي الإسكتلندي لأن إسكتلندا لم تصوت لصالح بريكست".

ودفعت هذه المعارضة الشديدة لخطة ماي لخروج دعوات من داخل الحزب تطالبها بعدم طرح التصويت على البرلمان. فقد لمّح وزير البيئة مايكل غوف، الذي يدعم خطة رئيسة الوزراء، إلى احتمال إلغاء هذا التصويت، قائلاً، عبر "بي بي سي"، إن الوقت حان لـ"التفكير" بكافة الخيارات، رافضاً تأكيد إجراء التصويت في الوقت الذي تعهدت به ماي. وقال "سنتمعن خلال الأيام المقبلة بكيفية استقبال الناس للمقترحات التي تقدمنا بها". وأضاف "أعتقد أن الأمر الأهم أننا يجب أن نفكر بكافة الخيارات المطروحة أمامنا". إلا أن انتخابات البرلمان الأوروبي، التي تنطلق اليوم الخميس، قد تحسم الجدل ومستقبل ماي قبل موعد التصويت المقبل. فقد كانت ماي قد توصلت إلى اتفاق مع حزبها بأن تحدد موعد مغادرتها لمنصبها بعد التصويت على اتفاقها، ولكن نتيجة الانتخابات الأوروبية قد تحسم الأمر نيابة عنها. وقال زعيم حزب بريكست نايجل فاراج إن نصراً كبيراً لحزبه في الانتخابات الأوروبية سيطيح بكل من ماي وكوربن، وينهي أي احتمال لإجراء استفتاء ثانٍ على بريكست. وقال، خلال مناظرة مع زعيم الليبراليين الديمقراطيين فنس كابل: "إذا حققنا نصراً كبيراً لحزب بريكست، سنقضي على كل الأفكار بالاستفتاء الثاني، لأن معسكر فنس سيكتشف أنه لن يستطيع الانتصار. وأعتقد أيضاً أنه إذا كانت استطلاعات الرأي التي رأيناها اليوم (أمس) قريبة من الواقع، فإننا سنتخلص من ماي بسرعة أيضاً. وقد تكون نهاية جيريمي كوربن أيضاً".

وكان استطلاع للرأي أجرته "يوغوف"، لصالح صحيفة "التايمز" البريطانية، قد كشف، صباح أمس الأربعاء، تصدر حزب بريكست للتوقعات بنحو 37 في المائة من نية التصويت، ليتبعه الليبراليون الديمقراطيون المعارضون لبريكست عند 19 في المائة، ويتبعهم "العمال" عند 13 في المائة، ومن ثم "الخضر" المعارضين لبريكست عند 12 في المائة. فيما حل حزب "المحافظون" خامساً عند 7 في المائة، وحزب "التغيير" المعارض لبريكست عند 4 في المائة. وفي إشارة إلى مدى الأزمة التي يعيشها حزب "المحافظين"، أعلن عضوان في مجلس اللوردات عن الحزب نيتهما التصويت لصالح الليبراليين الديمقراطيين في انتخابات البرلمان الأوروبي. ومهما تكن نتيجة الانتخابات الأوروبية أو التصويت على اتفاق بريكست، فإن أيام تيريزا ماي في منصبها باتت معدودة. وفور إعلانها عن موعد مغادرتها، ستنطلق حملة تنافس قوية داخل حزبها لخلافتها، وخارجه للدفع باتجاه انتخابات عامة، خصوصاً أن المرشح الأقوى لخلافة ماي، بوريس جونسون، يدفع باتجاه بريكست مشدد، قد صوت البرلمان ضده وبأغلبية كبيرة في أكثر من مناسبة. بينما كان الاتحاد الأوروبي قد رفض مراراً إعادة التفاوض على اتفاق بريكست الحالي، مؤكداً أن خطة المساندة، التي ينفيها بريكست مشدد، يجب أن تكون جزءاً من أي اتفاق تجاري مستقبلي مع الاتحاد الأوروبي.