ورم يا حكيم!

21 فبراير 2016
بسيطة. لا شيء (Getty)
+ الخط -
قال الطبيب: هذا ورمٌ خطير، ينبغي استئصاله بشكل عاجل.

كنت بعد مراهقاً يومها وكاد قلبي يقع بين قدميّ. اصفرّ لون أمي. أعتقد أنها كانت من المرات القليلة التي رأيت فيها هذا القدر من الخوف على وجهها. كان الورم في المنطقة ما بين أسفل الذقن التي لم يكتمل نموّها بعد وأعلى العنق، في نقطة قريبة من اللوزتين. وكان قد ظهر قبل بضعة أيام وانتبهت له بالصدفة. لم يتسبّب بأي ألم ولم يكن ظاهراً، كان بالإمكان تحسّسه فقط وقد قارب حجم حبة خوخ صغيرة.

الطبيب، الجرّاح واختصاصي الصحة العامة، لم يطلب فحوصات مخبرية أو صور أشعة. أدرك بخبرته وبفحص الحنجرة أن هذا ورم خطير، ويتوجّب استئصاله على الفور. وكان كلما قطّب حاجبيه وهزّ برأسه تأكيداً على تشخيصه ازداد تسارع ضربات قلبي.

سحب الطبيب ورقة من دفتره سجّل عليها بضع كلمات أجنبية بخطّ غير مفهوم، وطلب من أمي التوجّه إلى المستشفى في اليوم التالي لحجز سريرٍ للعملية، التي لا بد حاصلة.

أصابني عرقٌ باردٌ وغثيانٌ فيما كنا نغادر العيادة. ما قاله الطبيب كان كافياً لتهشيم معنويات رجل بالغ فما بالك بمراهق شعر بموت مفاجئ يقبض على عنقه.

"نأخذ رأياً ثانياً"، أردفت أمي. قالتها بثبات وثقة، عادتها في المواقف الصعبة. ليس سراً أن أمي قادرةٌ دائماً على استيعاب الصدمات والتعاطي معها باتزان.

بالفعل، توجهنا إلى منزل الدكتور ناجي العلايلي، بروفيسور الجراحة في الجامعة اليسوعية في بيروت، الذي كان جاراً لجدتي في البناية. العلايلي كان من الأطباء الذين تطوعوا لخدمة الجرحى في الحرب الأهلية، لا سيما في المخيمات الفلسطينية. وبحسب الذين عايشوا تلك المرحلة، يقولون إنهم كانوا يأتونه بالمصاب ممزقاً فيعيد "تركيبه" و"تجميعه". والعبارة التي فيها مبالغة بالطبع تأكيد على الدور الذي لعبه في إنقاذ حيوات كثيرة والمهمات المستحيلة التي أوكلت إليه. فحص الطبيب الدمث مكان الورم برؤوس أصابعه القصيرة. سأل بضعة أسئلة ثم قال:

- بسيطة. لا شيء.

- لا شيء؟ هذا ورم يا حكيم. كيف يكون لا شيء؟

- لا شيء خطيراً.

- يحتاج عملية جراحية عاجلة يا حكيم.

ابتسم بتهذيب وتابع: "ربما يكون كيساً دهنياً. نفحصه مجدداً بعد أسبوع". وأمام إصراري على تناول دواء وصف لي حبتي بنادول يومياً. دواء الصداع الذي كان يباع حتى الأمس القريب في دكان السمانة. أراد أن يسكتني لا أكثر.

بعد ثلاثة أيام فقط تقلّص حجم الورم. بعد مرور أسبوع صار بحجم حبة العدس. وبعد نحو عشرة أيام كان قد اختفى كلياً.

حصل هذا وما زال الطبيب الأول ينتظرني حتى اليوم كي أعيد له ورقة المستشفى موقعةً بإذن الموافقة.

اقرأ أيضاً: الحلوة تهزم الخبيث
دلالات
المساهمون