ورقة يانصيب رابحة

15 ابريل 2017
الخبر كان قاسياً (فليكر)
+ الخط -
خبر. مجرّد خبر قد يقلب الدنيا رأساً على عقب. وفي هذه العبارة خراب. مثل خبر ضربةٍ عسكريّة. خبر واحد فقط قد يخلقُ وراءه كمّاً من التحليلات والتصريحات والمواقف. خبر قد يغيّر حياة أفراد إلى الأبد، قبل أن يعتادوا حياتهم بعده، في انتظار خبر جديد. والجديد لا يمحو القديم، بل يغيّر حياةً قد نعتقد أنّها استقرّت أخيراً، بعللِها.

وقد ظنّت أنّها غسالة صحون قديمة، قبل أن تجد ورقة يانصيب رابحة على الطريق. هكذا قرّرت أن تتلقّى خبر زواج ابنتها المفاجئ. لم تفكّر يوماً في أنّ ابنتها قد تتزوّج، ومن دون أن تخبرها. لكنّها فعلت ذلك. والأمّ قرّرت ألّا تنظر إلى الخبر بحزن، حتى بدا لها مثل ورقة يانصيب رابحة. هذا ما كتبته إليف شافاق في روايتها "حليب أسود". اختارت أن تربح، وإن كان الخبر قد أسقط كلّ قناعاتها وأفكارها وأحلامها. هكذا أرادت أن تتلقّاه. وحلّ عليها الخبر مثل ورقة يانصيب رابحة، وما عليها إلّا أن تستمتع بعدّ الأوراق، التي لا بدّ ستبدّل أحداث حياتها.

نحن في دورة الحياة. والأخبار تصيبنا خلال دوراننا فيها. لذلك، غالباً ما لا نتوقّعها. من غير المعقول أن يكون الرامي ماهراً إلى هذا الحدّ. يبدو أنّنا أخطأنا في الحكم عليه. هو ماهرٌ حقّاً، وبات قادراً على إصابتنا من دون النظر إلينا حتّى. وإذا ما شعرنا بأنّ سهاماً تقترب منّا، نسارع، وبحركة تلقائية، إلى مدّ أكفّنا علّنا نصدّها. نحمي أجسادنا لتصاب أكفنا.

خبرٌ مثل صاعقة. لم نكن لنتوقّعه، وحين عرفناه صار متوقّعاَ. نحن الذين أخطأنا في الحكم على الرامي. بات خبراً يقيناً، لا مفرّ من تفادي تداعياته. التآلف معه أهون الشرّين. وهو سيّىء بقدر ما سبّبه لنا من أذى، وجميلٌ بمدى قدرتنا على الخروج من غسالة الصحون للبحث عن ورقة يانصيب رابحة.

في الأخبار خصوبة هائلة، وهي قابلة للولادة في كلّ كلماتنا. الكلمة خبر، بما تحمله من نبرةٍ وملامح. والكلمات خبرٌ مركّب، يصاغ بأسلوبٍ لا بدّ من أن يكون له وقعٌ علينا. الأخبار الحلوة تذوب فينا، ويسقط عنها البعد الخبري سريعاً. وهي بذلك على عكس السيّئة منها، التي تبقى على مسافة منّا. ومع مرور الوقت، نتآلف معها، ولا تصبح جزءاً منا.

وسنقول عن خبرٍ إنّه الأسوأ على الإطلاق، ونفكّر في حياتنا من بعده. ثمّ نضعه على الرفّ إلى جانب غيره من أخبارٍ قلبت بعضاً من حياتنا، فنكبر وتتألّم مفاصلنا.
ماذا وراءنا ووراء الكائنات على هذه الأرض؟ أخبارٌ من هنا وهناك، تقلب حيوات رأساً على عقب، إلى أن نعثر على ورقة اليانصيب الرابحة.

المساهمون