وجع عائلات المهاجرين السريّين المغاربة

02 ديسمبر 2018
وصلوا إلى إسبانيا (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

معاناة عائلات المهاجرين السريّين في المغرب كبيرة. بعضها لا يعرف مصير أبنائه، وينتظر أي خبر على الرغم من مرور سنوات، في وقت عرف آخرون معنى الموت. وأولئك الذين نجح أبناؤهم في الوصول إلى أوروبا، يتعبهم الفراق 

مزيج من مشاعر الشوق والألم تعيشها عائلات مهاجرين شبان مغاربة، اختاروا الهجرة السرية إلى أوروبا، خصوصاً إلى إسبانيا القريبة من المملكة، من خلال قوارب سرية عبر البحر الأبيض المتوسط. بعضهم نجح في بلوغ الضفة الأخرى، في وقت قضى آخرون نحبهم وسط أمواج البحر العاتية.

وتختلف قصص عائلات المهاجرين السريّين الذين يسمّون في المغرب بـ"الحراكة"، لأنهم يتعمدون حرق وثائقهم الشخصية بمجرد وصولهم إلى أوروبا، بهدف تلافي احتمال تعرّف سلطات البلد الأوروبي على هوياتهم، ثم ترحيلهم. وهناك قصص عائلات تعلم بمصير أبنائها المهاجرين، وأخرى تجهل تماماً ماذا حلّ بفلذات أكبادها. بعض العائلات ما زالت تجهل مصير أبنائها، في وقت تعاني أخرى من غرق أولادها في البحر.




وزادت محاولات الهجرة غير الشرعية من سواحل المغرب، خصوصاً مدن الشمال، خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، حتّى باتت تؤرق السلطات المغربية، خصوصاً بعد تسجيل عشرات المحاولات خلال فترة زمنية قصيرة أسفرت عن حوادث مأساوية، أبرزها مقتل الشابة حياة بلقاسم بعد إصابتها برصاص أفراد البحرية المغربية حين ضبطوا قارباً لم ينصع لتحذيرات البحرية.

محمد دينار، والد شاب في العشرين من عمره اختار الهجرة غير النظامية قبل أربع سنوات، واستقرّ في إحدى مدن الجنوب الإسباني، يعمل هناك في قطاع الفلاحة، يقول لـ"العربي الجديد"، إن أسرة ابنه نور الدين تشتاق كثيراً لرؤيته، "ولا يمكن التعبير عن الشوق بالكلمات ولا بالدموع".

ويعود الأب بذاكرته إلى أربع سنوات خلت، عندما انقطعت أخبار ابنه عنه فجأة. حينها، شكّك في احتمال أن يكون قد هاجر سراً إلى إسبانيا، خصوصاً أنه كان يعرب عن رغبته في الذهاب إلى إسبانيا لملاقاة أصدقاء له سبقوه إلى هناك، وكانوا يغرونه بإرسال صورهم. زاد إصراره على عدم البقاء في البلاد، خصوصاً أنه يتحدّر من أسرة فقيرة في مدينة هامشية مثل قلعة السراغنة (وسط البلاد).

يضاف أنه خلال فترة انقطاع أخبار ابنه عنه طيلة عشرة أشهر كاملة، عاشت الأسرة جحيماً بكل ما للكلمة من معنى، وكانت أمه تبكي من دون انقطاع إلى أن ضعف بصرها، كما أصيبت بمرض ارتفاع الضغط، وكانت العائلة تعتقد أنه مات في البحر، لكن "لم نعثر على جثته".

يتابع الأب أنّه بعد مرور عشرة أشهر، هاتفه ابنه نور الدين لتعيش أسرته الصغيرة فرحة كبيرة. وبرّر المهاجر الشاب غيابه بالقول إنه كان مختبئاً ويعاني ظروفاً اجتماعية صعبة، نظراً إلى وضعه غير القانوني في إسبانيا. لكنّه استطاع أن يجد عملاً يقتات منه وتحسنت أحواله. على الرغم من ذلك، لم يعد إلى البلاد على الرغم من مرور أربع سنوات.

وإذا كانت حالة والد نور الدين تتّسم بالشوق لرؤية فلذة كبده، فإن عائلات أخرى تعيش معاناة وآلاماً لا تضاهى، من جراء عدم معرفة مصير أبنائها الذين اختاروا الهجرة السرية. لا هم يعرفون أن هؤلاء وصلوا إلى الضفة الأوروبية عبر زوارق، ولا هم تأكدوا من مصرعهم بين أمواج البحر.

أسرة بلعيد وضعت إعلاناً عن اختفاء ابنها الذي يبلغ من العمر 24 عاماً وهو عاطل من العمل، في برنامج معروف في القناة التلفزيونية الثانية، علّها تسمع شيئاً عنه. وعلى الرغم من مرور أشهر عدة، لم يبلغهم أي خبر عن وجوده باستثناء إشاعات من هنا وهناك، سرعان ما تتبدّد وتضمحل.

وتقول السعدية، وهي والدة بلعيد، لـ"العربي الجديد"، إنها لم تعرف النوم منذ أكثر من سنتين، حين غادر ابنها بيت العائلة في مدينة تمارة، وقال إنه سيذهب برفقة أصدقائه في رحلة قريبة للاستجمام، قبل أن تكتشف أنه أخذ خاتمها في غفلة منها. ولاحقاً، عرفت أنه باعه من أجل توفير مصاريف هجرته السرية. وترجح الأم أن ابنها اختار الهجرة السرية، لأنه كان قد سعى إلى الهجرة في وقت سابق من خلال الاختباء في شاحنات للبضائع في مدينة طنجة. فشلت محاولاته مراراً، إذ كان يضبطه أصحاب الشاحنات قبل الإقلاع، ليقرر تجربة قوارب "الحريك". لكن منذ نحو سنتين، لم يظهر له أثر، لترجح العائلة أنه ربما مات وسط البحر، ما دام أصدقاؤه لا يعرفون مصيره أيضاً.

مشاعر أخرى تعيشها عائلات لا تقلّ مرارة وألماً. الفرق أنّ العائلات التي تجهل مصير أبنائها المهاجرين تأمل أن يظهروا يوماً ما. لكن عائلات الحراكة الذين توفوا في عرض البحر إما بسبب انقلاب القارب أو لأي سبب آخر، لا أمل لديها في عودة أبنائها إلى الحياة.




والدة حياة بلقاسم التي توفيت في شهر سبتمبر/ أيلول نتيجة رصاص البحرية عندما كانت تستقل قارباً للهجرة نحو إسبانيا، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ جرح مصرع ابنتها لم يندمل بعد ولن يندمل بسهولة، لأن ابنتها لم تقم بشيء مشين أو جريمة حتى تلاقي مصيراً كهذا. تردف الأم أنها لم تعتقد يوماً أن ينتهي الحال بحياة إلى هذا المصير، علماً أنها لم تتجاوز الواحدة والعشرين من عمرها. ولو كانت تعلم هذا المصير، لما غامرت بحياتها من أجل أسرتها الفقيرة وركبت البحر على الرغم من خطورته، مضيفة أن العديد من العائلات التي توفي أبناؤها في البحر بسبب الهجرة السرية، تعرف معنى ألم فقدان الابن أو البنت في ظروف مماثلة.
المساهمون