إضافة إلى الكتابة والرسم على أوراق البردي؛ استخدم الفراعنة والأغريق الأوستراكا (Ostraca) في نسخ الوثائق والمكاتبات. والأوستراكا عبارة عن شقفات من الفخار المكسور، تُبرز الفخاريات المكتشفة كيف لجأ القدماء إلى أدواتهم البسيطة ليدوّنوا النصوص القصيرة عبر أحبارٍ جيّدة لم تُمحَ حتى اليوم.
وجدت بعض هذه الشقفات الفرعونية في "دير المدينة" على الضفة الغربية للنيل في مواجهة طيبة (الأقصر اليوم) تعود إلى عصر الدولة المصرية (الفرعونية) الحديثة. كانت النصوص تحوي تعليمات طبية ومعلومات إدارية حول الموظفين المشتغلين في المجال الصحي في عهد الأسرتين الـ 18 و19 (ما بين 1550 و1190 قبل الميلاد). أيضاً، تضمّنت الكسر الفخارية مقاطعَ من قصة الطبيب سنوحي، وهي قصة معروفة من الأدب الفرعوني.
بعد ذلك، ولا ندري كيف يتم التأريخ لأقدم قطعة أوستراكا في مصر بأنها وُجدت سنة 274 قبل الميلاد، أي بعد الغزو المقدوني لمصر، كما انتشرت قطع تنتمي للعصر الروماني حتى سنة 400 ميلادية في العديد من المدن. كما اكتُشفت أوستراكا لاتينية بالقرب من قرطاج (في تونس اليوم). ويمكن تقسيم تلك الشقفات البطلمية إلى قِسمين: مبكّر ومتأخّر؛ فالأول منهما كان مقتصراً على سندات وإيصالات ضرائب. بينما تنوّعت استخدامات المتأخرة بين أوامر نظامية وخطابات وواجبات مدرسية ونصوص دينية.
ويُرجّح أن العامة قديماً كانوا يفضّلون الأوستراكا على أوراق البردي لأن هذه كانت غالية الثمن، في حين تتوافر كسرات الفخار التي هي ناتج الأدوات والأواني الفخارية التي تُكسر، فيلقى بها في أماكن خارج المنطقة السكنية. وبعض تلك الكسرات من الحجر الجيري.
معظم الفخاريات المكتشفة صغيرة الحجم وسهلة الحمل، بعضها بحجم كف اليد تقريباً، ويحتفظ مخزن المتحف المصري في حجرتين منه على كميات ضخمة، تتناول الحياة المصرية والكائنات والأشجار والألعاب، وبعضها تعليمي، يتدرّب عليها الرسّامون في مراحل التعليم الأوّلى.
ويبدو أنّ جفاف المناخ ساعد على بقاء تلك الآثار في حالة جيّدة عبر آلاف السنين. عدد كبير من المتاحف حول العالم يحوي الآن المئات من تلك الشقفات التي سُلبت من أماكنها؛ مثل المتحف البريطاني وجامعة "يونيفرستي كوليج لندن" ومتحف "والترز" في بلتيمور.
يذكر أنه في مقابل الخط الهيروغليفي الذي اقتصر استخدامه على تدوين النصوص التذكارية على جدران المعابد والأعمدة الضخمة؛ تنوّعت الخطوط التي كتب بها عامة الشعب على الأوستراكا فكان منها الديموطيقية (وهي اللغة الشعبية عند المصريين القدامى) والهيراطيقية والقبطية واليونانية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن تقنية الكتابة الهيروغليفية كانت فنية وبطيئة، فيما كانت الكتابة بالخطوط الأخرى على الأوستراكا تناسب حاجة الناس إلى سرعة تدوين حاجاتهم اليومية العملية والتعليمية والإرشادية.
في 2011، تم الإعلان عن اكتشاف مجموعة أثرية جديدة شمال بحيرة قارون في الفيوم تضمّ حوالي 150 قطعة من الأوستراكا في حالة ممتازة يرجع تاريخها إلى العصر الروماني. وتعدّ المجموعة المكتشفة داخل مخزن يقع في الفناء الأمامي لمعبد الإله سوبك، أرشيفاً متكاملاً لأعمال المعبد والطقوس الدينية آنذاك.
حديثاً، أصبح لفظ "أوستراكا" رمزاً فنياً، تقام تحت اسمه أعمال فنية متعدّدة، وورش عمل في النحت، ومهرجانات دولية في الفن التشكيلي، ومن أبرز الفعاليات المقامة مؤخراً: ورشة "سيمبوزيوم أوستراكا" الخامس للنحت الدولي في مدينة الغردقة (10-29 شباط/ فبراير الماضي)، وضمّت الفعاليات نحّاتين من عدة دول منها روسيا وجورجيا وإيطاليا وألبانيا وصربيا وبيلاروسيا وتركيا وكوريا الجنوبية إضافة إلى مصر.
اقرأ أيضاً: قضية التمثال "سخم كا": تبرعات اللحظة الأخيرة