03 ديسمبر 2019
وتمايلنا مع برج بيزا
شعور بالسعادة انتابني حين لاح لنا برج بيزا من محطة القطار القريبة. شوارع قليلة تفصلنا عنه، وإطلالته البهية عن بُعد أغنتنا عن السؤال عن الدرب الواصل إليه. سرنا في شوارع سكنية هادئة، ولمحنا على أحد جدرانها عبارة تضامن مع المهاجرين، كأنها رسالة تذكير بطابع مدينة بيزا اليساري.
برج بيزا المشرق بلونه الرخامي القريب من البياض، واستدارة معماره التي تكسبته هيبة، يقف متحدياً سنوات عمره التي تزيد عن ثمانية قرون ويقهر الطبيعة بميلانه. قطعنا المسافة من محطة القطار على عجل حتى عبرنا البوابة المفتوحة على ساحة المعجزات المدرجة في قائمة التراث العالمي، وتحتضن داخل سورها التاريخي برج بيزا Pisa وكاتدرائية بيزا ومعمودية بيزا أو كنيسة الغطاس.
لم أتوقع قرب المسافة بين البرج والمعالم الأثرية الأخرى في المكان، بل ظننته المعلم المتباهي الوحيد حيث وُجد. ولم أندم على عدم تحضيري المسبق للزيارة بالقراءة والاطلاع، لأن المعرفة المسبقة أحياناً تخطف متعة الدهشة الأولى والانبهار.
بصراحة كنت أظن أن البرج أكثر علواً حين رأيته عن قرب، إنه الانطباع الذي رسخته ببالي الصور المتشابهة المنتشرة بكثرة عنه. وما أكثر ملتقطي الصور الذين يتعمدون أخذ وضعيات خادعة مع البرج المائل مثل إسناده من الوقوع أو تقبيله أو وضعه داخل الحقيبة أو احتضانه أو إلباسه قبعة أو سترة..، فسلوك البشر المنسوخ والمعدي إلى حدّ ما تقل قيمته الفنية، لكنه في حالة برج بيزا يمتزج فن التصوير مع الطرافة ما يبقيه مقبولاً، ما يشفع للمقلدين استنساخ الأفكار.
طوابير المنتظرين أمام البرج للدخول لم تكن طويلة جداً، فالوقت يدنو من الغروب، كما كان طقس أبريل غائماً وبارداً مع زخات مطر متباعدة.
ما إن دخلنا البرج حتى شعرت بما لم يكن متوقعاً بالنسبة لي أبداً. لم يخطر ببالي على الإطلاق أنني سأميل بالمعنى الحرفي للكلمة مع ميلان برج بيزا العظيم. من منّا لا يعرف هذا البرج المائل، فميزة الميلان منحته لقب العجيبة من عجائب الدنيا. ولكن لم يسبق لي أبداً أن سمعت أو قرأت بأن اختلال التوازن وبعض الدوار يصيب زواره. للوهلة الأولى تحاول مجتهداً للوقوف باستقامة وتتوهم بأن تبديل وضعية جسدك هي الحل وهذا ليس صحيحاً.
من الداخل هو مكان فارغ تماماً إلا من لوحة دونت عليها معلومات عن البرج، وهذا الفراغ لم أتوقعه أيضاً. لكن الجدار الدائري الشاهق يسحب نظرك إلى الأعلى، ويناديك للصعود لتعرف كنه هذا المكان. تواصل عيش المغامرة بصعود الدرج وسرعان ما تدرك أن ميزة المكان وسحره هو بالتأثير فيك ليس بصرياً فقط وإنما بكيانك كله.
برج بيزا يتركك أمام تحدٍ ليس سهلاً إلا لمن اعتاد صعود الدرج والتسلق. 269 درجة لا بد من اجتيازها لتصل إلى أعلى البرج على ارتفاع 49 متراً، وذلك دون احتساب الدرجات المؤدية إلى أعلى مكان فيه فوق الأجراس وهو مغلق أمام الزوار. والدرج الضيق والملتف لولبياً داخل البناء الأسطواني يجبرك على الميلان فتتكيء على الجدران، وتستريح عند النوافد في مساحة ضيقة لا تتسع لأكثر من شخصين، وتكمل الصعود بعد أن تلتقط أنفاسك.
تشغلك الدرجات التي براها الزمن وغدت ملساء ناعمة بفعل الدوس عليها، وتشعر بانحنائها وبتقعر وسطها كلما وطأت إحداها. يحملك معه ويرفعك للأعلى فتدرك تأثيرك والملايين ممن سبقوك على حجارة هذا المكان. ولكن الاختبار الأعمق هو ما يتركه البرج فينا من أثر لا ينسى. هي علاقة التبادل مع الأمكنة، أخذ وعطاء، وعلامات نبقيها خلفنا في بيزا مع بعض القلق من أن ترهق دعساتنا ذلك البرج العظيم وتتعبه أكثر.
الوصول إلى أعلى البرج يحتفظ بدهشته الخاصة. وسطحه الذي يحمل سبعة أجراس كبيرة وصغيرة وسمي باسمها "برج الأجراس"، تحدد وظيفة تلك العجيبة المعمارية. هو حقاً ليس سوى برج لأجراس الكاتدرائية التي أصبحت تقرع آلياً عند الصباح. لا يحتوي غيرها ولا يحمل سواها وإنما شيّد لهذا الهدف أساساً. والسطح له إطلاله بانورامية يكشف مدينة بيزا بأكملها بقرميدها الأحمر، وأبعد منها أيضاً.
زيارة برج بيزا أضافت لمشوارنا تأثير "الدهشة الأولى"، معرفة ما هو أبعد بكثير من عالم الصورة. إنها تجربة غامرة تخرج منها فرِحاً بالفرصة التي سنحت لك دخول عالم البرج الفريد، وباكتشاف جديد لم تسمع عنه قبلاً. وإذا كان الجانب الأهم في السياحة هو الاستكشاف والاكتشاف فزيارة برج بيزا تضفي على الرحلة إلى إيطاليا متعة لا تفوّت، والأصح أن زيارة إيطاليا تبقى ناقصة إن لم يؤخذ برج بيزا في الحسبان.
برج بيزا المشرق بلونه الرخامي القريب من البياض، واستدارة معماره التي تكسبته هيبة، يقف متحدياً سنوات عمره التي تزيد عن ثمانية قرون ويقهر الطبيعة بميلانه. قطعنا المسافة من محطة القطار على عجل حتى عبرنا البوابة المفتوحة على ساحة المعجزات المدرجة في قائمة التراث العالمي، وتحتضن داخل سورها التاريخي برج بيزا Pisa وكاتدرائية بيزا ومعمودية بيزا أو كنيسة الغطاس.
لم أتوقع قرب المسافة بين البرج والمعالم الأثرية الأخرى في المكان، بل ظننته المعلم المتباهي الوحيد حيث وُجد. ولم أندم على عدم تحضيري المسبق للزيارة بالقراءة والاطلاع، لأن المعرفة المسبقة أحياناً تخطف متعة الدهشة الأولى والانبهار.
بصراحة كنت أظن أن البرج أكثر علواً حين رأيته عن قرب، إنه الانطباع الذي رسخته ببالي الصور المتشابهة المنتشرة بكثرة عنه. وما أكثر ملتقطي الصور الذين يتعمدون أخذ وضعيات خادعة مع البرج المائل مثل إسناده من الوقوع أو تقبيله أو وضعه داخل الحقيبة أو احتضانه أو إلباسه قبعة أو سترة..، فسلوك البشر المنسوخ والمعدي إلى حدّ ما تقل قيمته الفنية، لكنه في حالة برج بيزا يمتزج فن التصوير مع الطرافة ما يبقيه مقبولاً، ما يشفع للمقلدين استنساخ الأفكار.
طوابير المنتظرين أمام البرج للدخول لم تكن طويلة جداً، فالوقت يدنو من الغروب، كما كان طقس أبريل غائماً وبارداً مع زخات مطر متباعدة.
ما إن دخلنا البرج حتى شعرت بما لم يكن متوقعاً بالنسبة لي أبداً. لم يخطر ببالي على الإطلاق أنني سأميل بالمعنى الحرفي للكلمة مع ميلان برج بيزا العظيم. من منّا لا يعرف هذا البرج المائل، فميزة الميلان منحته لقب العجيبة من عجائب الدنيا. ولكن لم يسبق لي أبداً أن سمعت أو قرأت بأن اختلال التوازن وبعض الدوار يصيب زواره. للوهلة الأولى تحاول مجتهداً للوقوف باستقامة وتتوهم بأن تبديل وضعية جسدك هي الحل وهذا ليس صحيحاً.
من الداخل هو مكان فارغ تماماً إلا من لوحة دونت عليها معلومات عن البرج، وهذا الفراغ لم أتوقعه أيضاً. لكن الجدار الدائري الشاهق يسحب نظرك إلى الأعلى، ويناديك للصعود لتعرف كنه هذا المكان. تواصل عيش المغامرة بصعود الدرج وسرعان ما تدرك أن ميزة المكان وسحره هو بالتأثير فيك ليس بصرياً فقط وإنما بكيانك كله.
برج بيزا يتركك أمام تحدٍ ليس سهلاً إلا لمن اعتاد صعود الدرج والتسلق. 269 درجة لا بد من اجتيازها لتصل إلى أعلى البرج على ارتفاع 49 متراً، وذلك دون احتساب الدرجات المؤدية إلى أعلى مكان فيه فوق الأجراس وهو مغلق أمام الزوار. والدرج الضيق والملتف لولبياً داخل البناء الأسطواني يجبرك على الميلان فتتكيء على الجدران، وتستريح عند النوافد في مساحة ضيقة لا تتسع لأكثر من شخصين، وتكمل الصعود بعد أن تلتقط أنفاسك.
تشغلك الدرجات التي براها الزمن وغدت ملساء ناعمة بفعل الدوس عليها، وتشعر بانحنائها وبتقعر وسطها كلما وطأت إحداها. يحملك معه ويرفعك للأعلى فتدرك تأثيرك والملايين ممن سبقوك على حجارة هذا المكان. ولكن الاختبار الأعمق هو ما يتركه البرج فينا من أثر لا ينسى. هي علاقة التبادل مع الأمكنة، أخذ وعطاء، وعلامات نبقيها خلفنا في بيزا مع بعض القلق من أن ترهق دعساتنا ذلك البرج العظيم وتتعبه أكثر.
الوصول إلى أعلى البرج يحتفظ بدهشته الخاصة. وسطحه الذي يحمل سبعة أجراس كبيرة وصغيرة وسمي باسمها "برج الأجراس"، تحدد وظيفة تلك العجيبة المعمارية. هو حقاً ليس سوى برج لأجراس الكاتدرائية التي أصبحت تقرع آلياً عند الصباح. لا يحتوي غيرها ولا يحمل سواها وإنما شيّد لهذا الهدف أساساً. والسطح له إطلاله بانورامية يكشف مدينة بيزا بأكملها بقرميدها الأحمر، وأبعد منها أيضاً.
زيارة برج بيزا أضافت لمشوارنا تأثير "الدهشة الأولى"، معرفة ما هو أبعد بكثير من عالم الصورة. إنها تجربة غامرة تخرج منها فرِحاً بالفرصة التي سنحت لك دخول عالم البرج الفريد، وباكتشاف جديد لم تسمع عنه قبلاً. وإذا كان الجانب الأهم في السياحة هو الاستكشاف والاكتشاف فزيارة برج بيزا تضفي على الرحلة إلى إيطاليا متعة لا تفوّت، والأصح أن زيارة إيطاليا تبقى ناقصة إن لم يؤخذ برج بيزا في الحسبان.