وباء العصر

19 نوفمبر 2014
التفاح أم الموز؟ 54 سعرة حراريّة أم 90؟ (Getty)
+ الخط -

لم يعد الأمر مجرّد هَوَسٍ. أصبح وباءً، لا بل أكثر من ذلك. فهو لم يعد محصوراً في بقعة محدّدة. هو بلغ "المرحلة السادسة"، مع "انتشار الوباء عالمياً، وتسجيل إصابات في إقليمَين مختلفَين أو أكثر، من أقاليم منظمة الصحة العالميّة".

والمرحلة السادسة، هي مرحلة "الجائحة" بحسب تصنيفات الهيئة الأبرز عالمياً في الشؤون الصحيّة. و"الصحيّة" تشمل الصحة الجسديّة وتلك النفسيّة والذهنيّة على حدّ سواء.

تُعرّف المنظمة - وكذلك هيئات معنيّة أخرى - الجائحة، بأنها انتشارٌ لأمراض معدية قد يُسجّل في أي وقت من العام. انتشارٌ، يصيب أعداداً كبيرة من البشر متخطياً الحدود بشكل واسع، في حين تُسهّله وسائل الاتصال.

قد يقول البعض إنه لا يصحّ اعتبار الأمر وباءً ولا جائحة، إذ إنه لا يؤدّي إلى وفيات. لكنّ في ذلك، خطأً شائعاً. فالوباء يُعرّف أيضاً، بأنه "كل تزايد ملحوظ في أي ظاهرة بيولوجيّة أو اجتماعيّة بشريّة تُعَدّ ضرراً جماعياً". ويمكن التحدّث هنا عن سلوكيات جماعيّة واتجاهات ذهنيّة.

أما المقصود بـ"الأمر"، فهو ذلك الهَوَس الجماعي بعدم اكتساب كيلوغرامات إضافيّة، حتى لا نقول غرامات. هَوَسٌ ليس - أو أقلّه لم يعد - محصوراً في الإناث، مثلما تحاول المجلات النسائيّة وإعلانات مستحضرات التنحيف ومراكز التجميل الترويج له. فالعدوى تنتشر أيضاً بين الذكور.

ويتردّد ممشوقو القدّ - من الجنسَين - وكذلك أولئك الأقلّ مشقاً، في تناول قطعة من الحلوى مثلاً، لأنها "تُسمّن" أو "تُنصّح" أو "تُتخّن". اختَر الفعل باللهجة العربيّة التي تناسبك.

وأكثر من ذلك، يرفض هؤلاء تناول الأرزّ والبطاطا والأفوكادو على سبيل المثال لا الحصر، لأنها أيضاً "تُسمّن" أو "تُنصّح" أو "تُتخّن" بحسب ما هو شائع. والشائع لا يعني الحقيقة.

ويعمدون إلى احتساب السعرات الحراريّة. قد لا يكون ذلك خطأً، بل تصرّف محمود للمحافظة على صحّة سليمة. لكن بالحدّة والوتيرة اللتَين نشهدهما اليوم، هو هَوَسٌ يُمعن في الانتشار ليتحوّل وباءً يتخطّى الحدود الجغرافيّة وينتهي جائحة بالمفهوم العلمي للمصطلح.

فالعناصر اللازمة كلها متوفّرة هنا، بدءاً بالانتشار عبر عدوى. وما أخطر العدوى الذهنيّة! ثم يأتي الضرر نتيجة ما قد يخلّفه الأمر من اضطرابات في السلوكيات الغذائيّة، لينعكس سلباً على الحالة النفسيّة. أما العنصر الأخير، فتسهيل انتشاره عبر وسائل الاتصال والتواصل. ويُوجَّه إصبع الاتهام هنا - من دون تأنيب ضمير - إلى تلك الوسائل التي تروّج لصور نمطيّة تهدّد صحّة المرء، تماماً كما البدانة التي يُدَقّ ناقوس الخطر تحذيراً من تمادي انتشارها.
دلالات