04 نوفمبر 2024
... والدهس أيضاً درجات
"إذا لم تحصل على قنبلةٍ لتفجرها، أو تتمكّن من إطلاق النار، فبمجرد أن تجد نفسك وحيدًا مع كافر فرنسي أو أميركي، حطّم جمجمته بحجر، أو اقتله بسكين، أو قم بتسميمه، أو اصدمه بسيارة".. هذا ما قاله الناطق السابق باسم "داعش"، أبو محمد العدناني، لأعضاء التنظيم قبل ثلاثة أعوام. ليدشّن مرحلة جديدة في آليات عمل "داعش" وغيرها من التنظيمات التي تتبنى العنف المسلح في مواجهة أعدائهم. مرحلة يتم فيها استخدام أبسط الأسلحة، والأدوات التي لا تحتاج إلى تدريب أو مهارات خاصة لمن يستخدمها، ولا تتطلب تحضيراتٍ لوجستية معقدة.
وبالفعل، حاول أفراد التنظيم، أو المؤمنون بأفكاره، اقتناص كل فرصةٍ تتاح لهم لتحويل توجيهات العدناني إلى عمليات استهدافٍ للأجانب، خصوصا في أوروبا، حيث توجد الدول المشتركة في التحالف الدولي الذي يواجه "داعش" في العراق وسورية. وعلى الرغم من أن استخدام السيارات والحافلات في القتل الجماعي ليس جديداً، إلا أنه في السابق كان متركّزاً في سياق محدّد وحالات استثنائية. حيث ظهرت عمليات الدهس للمرة الأولى في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، ضمن أشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. تحديداً في عام 2008، عندما صدم فلسطيني حافلة ركاب إسرائيليين في القدس مستخدماً جرّافة، فقتل ثلاثة وجرح عشرات. وانتفض العالم وقتئذ، حزناً على من وُصفوا مدنيين أبرياء قُتلوا بلا ذنب. بينما لم تكن مشاعر العالم تتأذّى من قتل آلاف الفلسطينيين، وتشريدهم وتجويعهم، رجالاً وأطفالاً ونساء.
ظلت عمليات الدهس حالات استثنائية، إلى أن جعلها العدناني من تكتيكات التنظيم وأساليبه الجديدة في العنف ضد الغرب. في تحولٍ عن الأساس الفقهي الذي استندت إليه استراتيجية "داعش" طوال السنوات السابقة، أي البدء بالعدو القريب. وإقامة الدولة "الإسلامية" فوق أي مساحةٍ تتاح من الأرض، ثم توسيعها تدريجياً لتشمل بقية العالم الإسلامي. قبل الانتقال لاحقاً إلى مناطق العالم المختلفة التي يقطنها غير المسلمين.
قد لا يعني هذا بالضرورة تخلي التنظيم عن استراتيجية السيطرة على الأرض، لكنه ربما يُعزى إلى فقدان التنظيم معظم الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسورية. وبعد نجاح عمليات الدهس الفردية، في العامين الماضيين، في إسقاط مئات من الضحايا وسط المدنيين الأوروبيين بين قتلى وجرحى، وجد التنظيم حافزاً لتكثيف عملياته بنمط "الذئاب المنفردة"، على حساب العمليات التنظيمية التقليدية التي صارت أكثر صعوبةً وتكلفةً في ظل القيود الأمنية والتنسيق الأمني المتنامي بين معظم الدول.
يحتاج العالم نظرة جديدة وتفكيرا مختلفا في مواجهة تلك النوعية المُستحدثة من العنف الفردي السهل الذي يحقق خسائر كبيرة في الأرواح، بأدوات ووسائل ليست أسلحة بطبيعتها. قبل ذلك، العالم أكثر احتياجاً إلى مراجعة المبادئ الأساسية التي تنبني عليها عمليات المواجهة، ليس فقط بعدم قصرها على الأدوات الأمنية المباشرة، وإنما أيضاً بالتخلي عن مسلمات خاطئة، وتصحيح مغالطات جوهرية، مثل الربط الحصري بين الإرهاب والمسلمين. انتفض العالم أمام عمليات الدهس في كاتالونيا، بينما لم يحرّك ساكناً عندما دهس بريطاني عشرات المسلمين أمام مسجدٍ في لندن. واعتبرته السلطات البريطانية مُختلاً قبل أي تحقيق أو فحص طبي، وتم تجاوز الحادث سريعاً، ولملمة الموضوع بلا ضجة ومن دون تغطية إعلامية كان يستحقها.
إذن، حتى الأساليب المبتكرة والأنماط الجديدة في استخدام العنف ليست مقصورة على المسلمين، بل تستخدم ضدهم أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال العالم يتبنى نظرة عنصرية وتمييزاً غير مبرّر بين حوادث متشابهة لدهس مدنيين أبرياء أو قتلهم. كأن ضحايا الدهس ليسوا سواء، وحسب ديانة القتلى، للدهس مقامات ودرجات.
وبالفعل، حاول أفراد التنظيم، أو المؤمنون بأفكاره، اقتناص كل فرصةٍ تتاح لهم لتحويل توجيهات العدناني إلى عمليات استهدافٍ للأجانب، خصوصا في أوروبا، حيث توجد الدول المشتركة في التحالف الدولي الذي يواجه "داعش" في العراق وسورية. وعلى الرغم من أن استخدام السيارات والحافلات في القتل الجماعي ليس جديداً، إلا أنه في السابق كان متركّزاً في سياق محدّد وحالات استثنائية. حيث ظهرت عمليات الدهس للمرة الأولى في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، ضمن أشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. تحديداً في عام 2008، عندما صدم فلسطيني حافلة ركاب إسرائيليين في القدس مستخدماً جرّافة، فقتل ثلاثة وجرح عشرات. وانتفض العالم وقتئذ، حزناً على من وُصفوا مدنيين أبرياء قُتلوا بلا ذنب. بينما لم تكن مشاعر العالم تتأذّى من قتل آلاف الفلسطينيين، وتشريدهم وتجويعهم، رجالاً وأطفالاً ونساء.
ظلت عمليات الدهس حالات استثنائية، إلى أن جعلها العدناني من تكتيكات التنظيم وأساليبه الجديدة في العنف ضد الغرب. في تحولٍ عن الأساس الفقهي الذي استندت إليه استراتيجية "داعش" طوال السنوات السابقة، أي البدء بالعدو القريب. وإقامة الدولة "الإسلامية" فوق أي مساحةٍ تتاح من الأرض، ثم توسيعها تدريجياً لتشمل بقية العالم الإسلامي. قبل الانتقال لاحقاً إلى مناطق العالم المختلفة التي يقطنها غير المسلمين.
قد لا يعني هذا بالضرورة تخلي التنظيم عن استراتيجية السيطرة على الأرض، لكنه ربما يُعزى إلى فقدان التنظيم معظم الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسورية. وبعد نجاح عمليات الدهس الفردية، في العامين الماضيين، في إسقاط مئات من الضحايا وسط المدنيين الأوروبيين بين قتلى وجرحى، وجد التنظيم حافزاً لتكثيف عملياته بنمط "الذئاب المنفردة"، على حساب العمليات التنظيمية التقليدية التي صارت أكثر صعوبةً وتكلفةً في ظل القيود الأمنية والتنسيق الأمني المتنامي بين معظم الدول.
يحتاج العالم نظرة جديدة وتفكيرا مختلفا في مواجهة تلك النوعية المُستحدثة من العنف الفردي السهل الذي يحقق خسائر كبيرة في الأرواح، بأدوات ووسائل ليست أسلحة بطبيعتها. قبل ذلك، العالم أكثر احتياجاً إلى مراجعة المبادئ الأساسية التي تنبني عليها عمليات المواجهة، ليس فقط بعدم قصرها على الأدوات الأمنية المباشرة، وإنما أيضاً بالتخلي عن مسلمات خاطئة، وتصحيح مغالطات جوهرية، مثل الربط الحصري بين الإرهاب والمسلمين. انتفض العالم أمام عمليات الدهس في كاتالونيا، بينما لم يحرّك ساكناً عندما دهس بريطاني عشرات المسلمين أمام مسجدٍ في لندن. واعتبرته السلطات البريطانية مُختلاً قبل أي تحقيق أو فحص طبي، وتم تجاوز الحادث سريعاً، ولملمة الموضوع بلا ضجة ومن دون تغطية إعلامية كان يستحقها.
إذن، حتى الأساليب المبتكرة والأنماط الجديدة في استخدام العنف ليست مقصورة على المسلمين، بل تستخدم ضدهم أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال العالم يتبنى نظرة عنصرية وتمييزاً غير مبرّر بين حوادث متشابهة لدهس مدنيين أبرياء أو قتلهم. كأن ضحايا الدهس ليسوا سواء، وحسب ديانة القتلى، للدهس مقامات ودرجات.