واشنطن والعاصفة البريطانية: رضى ضمني وخشية على "الأطلسي"

27 يونيو 2016
جولة جون كيري الأوروبية لمناقشة القرار البريطاني(نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بتداعيات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، تتجه عين واشنطن إلى حلف الشمال الأطلسي الذي تتخوّف من تفكّكه أكثر من الاتحاد، باعتباره المؤسسة الأم لصناعة القرار الأوروبي. وتترجم جولة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، المكوكية إلى الدول الأوروبية، هذا الهاجس ليس تحسباً من عواقب خروج بريطانيا على النمو العالمي واهتزاز الأسواق المالية، إنّما لمنع خروج الأوضاع عن السيطرة لناحية تأثير التشقق الأوروبي على الوحدة الأطلسية.

والتقى كيري نظيره الإيطالي في روما، باولو جنتيلوني، أمس الأحد، لمناقشة القرار البريطاني التاريخي، وكان من المقرر أن يلتقي رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فيديركا موغيريني، في العاصمة الإيطالية، لكنها بقيت في بروكسل، عقب نتيجة الاستفتاء البريطاني الذي بلبل الأجندة الأوروبية. كما يلتقي كيري، اليوم الاثنين، في العاصمة البريطانية لندن، نظيره البريطاني فيليب هاموند ومسؤولين في الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة ديفيد كاميرون. كما يعقد اجتماعات مع مسؤولين أوروبيين في العاصمة البلجيكية بروكسل.

ولم تكن العاصفة البريطانية الناجمة عن قرار فك الارتباط عن الاتحاد الأوروبي مريحة لبعض القوى السياسية الأميركية، كما لم تكن مزعجة لقوى أخرى، فيما حرصت التصريحات الرسمية على إبداء نوع من الحياد والاحترام لقرار الشعب البريطاني إلى جانب التأكيد على انخراط أميركي عن كثب في مفاوضات المرحلة الانتقالية المقبلة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأثيرت في واشنطن تساؤلات عن مدى شعور الولايات المتحدة بالقلق من إقدام دول أوروبية أخرى على الانسحاب من الاتحاد وتأثير قضايا اللجوء والهجرة على انتشار عدوى مطالب الانفصال من بريطانيا إلى بقية أنحاء أوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة. وحذر سياسيون أميركيون من أن العالم يواجه أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وأنّ لا حل لهذه الأزمة سوى بإيجاد حلول جديدة لوقف الحرب الأهلية السورية كونها عنصراً رئيسياً لتدفق اللاجئين.

تفكك الاتحاد
القوى التي شعرت بالقلق من أن تكون عجلة تفكك الاتحاد الأوروبي قد بدأت تتمثل في اليسار الأميركي أو التيار الليبرالي المناصر للعولمة والذي يخشى خسارة حليف خارجي يمكن الاستقواء به على قوى الداخل المتشددة. أما قوى الظلّ الصامتة، فقد كانت سعيدة، على ما يبدو، بنتائج التصويت البريطاني، وإنْ لم تعلن ذلك صراحة. ينظر مفكرو هذه القوى إلى تداعيات التصويت على أنها قد تقود إلى تفكيك القوة الأوروبية الناشئة المنافسة للولايات المتحدة، وهذا التفكك يخدم فكراً استراتيجياً أميركياً ظلّ مؤثراً على صنّاع السياسة الخارجية الأميركية طوال العقود الماضية، ولا يرغب أصحابه بوجود منافسين أقوياء حتى وإن كانوا حلفاء.






ويعتقد سياسيون أميركيون أن الأوروبيين يكونون حلفاء كدول منفردة، لكنهم يتحولون إلى منافس شرس للولايات المتحدة عندما يشكلون كتلة واحدة. ومن بين من يتبنى هذا الرأي، مندوب الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، وهو أحد منظري الحزب الجمهوري، حالياً، إذ يردد في تصريحاته التلفزيونية أن وجود بريطانيا في إطار الاتحاد الأوروبي قام بدور تقويضي معيق للعلاقات الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعيد سلطة صنع القرار إلى لندن بدلاً من بروكسل، على حدّ تعبير بولتون. ويزعم أن لندن كانت عاجزة عن العمل مع واشنطن بشكل منفرد، لأن نظام الاتحاد الأوروبي يفرض على الدول الأعضاء التشاور مع بقية دول الاتحاد قبل اتخاذ أي إجراء أو تبني أي سياسة على الساحة العالمية.

وينظر الكثير من السياسيين الجمهوريين إلى الاتحاد الأوروبي، إجمالاً، على أنه قوة قادرة على الإضرار بالمصالح الأميركية، إذ يسهل على الأميركيين التأثير على المستوى الوطني في كل دولة أوروبية منفردة. أما في إطار الاتحاد الأوروبي، فإن التأثير الأميركي يمكن تحجيمه. ويؤكد ذلك وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في أكثر من مؤلف له، إذ يقول إن "اسـتبدال الحلفاء الأوروبيين الفرديين بالاتحاد الأوروبي، لا يعني سوى استثناء الولايات المتحدة من مشاورات صنع القرار".

أما التصريحات الرسمية لصناع القرار الحاليين، فقد نظرت إلى تداعيات القرار على المدى المنظور، وأجمعت البيانات الصادرة عن مؤسسات صنع القرار في البيت الأبيض، ووزارة الدفاع (البنتاغون)، ووزارة الخارجية، والكونغرس الأميركي على أهمية انخراط الولايات المتحدة عن كثب في المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي المتوقع أن تستمر لمدة عامين قبل الخروج بصيغة جديدة للعلاقة بين الطرفين. ويعكس الحرص الأميركي على الانخراط في المفاوضات رغبة أميركية في المشاركة برسم معالم المستقبل في أوروبا. وكان البيت الأبيض قد أصدر بياناً، قال فيه، إن "الشعب البريطاني قال كلمته وإدارة الرئيس باراك أوباما تحترم قراره". وشدد على أن "عضوية المملكة المتحدة في حلف شمال الأطلسي حيوية للولايات المتحدة في سياستها الخارجية والأمنية والاقتصادية".

مخاوف من العدوى
من جهة أخرى، شجّعت نتائج التصويت في بريطانيا الناشطين الانفصاليين في ولاية تكساس الأميركية على تفعيل مطالبهم باستقلال ولايتهم عن البلاد. وقال رئيس حركة تكساس القومية، دانيال ميللر إن التصويت الذي قاده المواطنون في بريطانيا يمكن أن يكون نموذجاً. ودعت حركة تكساس القومية حاكم الولاية، بشكل رسمي، "إلى دعم إجراء تصويت مشابه"، وفقاً لما أوردته وكالات الأنباء.

وتزعم "الحركة" أن لديها نحو ربع مليون مؤيد، كما تخطط لتكثيف حملة التصويت للانفصال في انتخابات 2018. غير أن خبراء القانون الدستوري يستبعدون نجاح مثل هذا المطلب لأي ولاية أميركية في المستقبل القريب. وولاية تكساس من أغنى الولايات الأميركية، وفي حال تحولها إلى دولة مستقلة سيكون اقتصادها المقدّر بنحو 1.6 تريليون دولار، سنوياً، من بين المراكز العشرة الأولى في العالم.