ويلاحظ أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي سيتسلم الحكم بعد تسعة أيام، بدأ التصعيد مع الصين أثناء الحملة الانتخابية واستمر في هذا التصعيد حتى بعد فوزه. وحتى الآن، لم يصدر من الرئيس ترامب أي تصريح إيجابي تجاه بكين. وفي أعقاب فوزه مباشرة، استفز ترامب بكين بمكالمة أجراها مع رئيسة تايوان، وهو أمر يحسب في الدبلوماسية خرقاً للبروتكول، ويعد خطاً أحمراً بالنسبة للرئاسة الصينية.
ولكن من تصعيد الرئيس ترامب، هو الرسوم الجمركية الباهظة التي ينوي فرضها على البضائع والخدمات المستوردة من الصين، والتي قال إنها ستكون في حدود 55%.
كما قال ترامب في برنامج المائة يوم الأولى الذي أعلنه على موقعه الإلكتروني قبل شهر، إنه سيعلن "الصين دولة متلاعبة بالعملة"، وهو ما سيعني فرض مجموعة من العقوبات التجارية على الصين.
ومن بوادر المواجهة المحتملة بين واشنطن وبكين، تعيين الرئيس ترامب لفريق تجاري يكن عداء شديداً للصين وعلاقاتها التجارية مع أميركا، حيث عين بيتر نافارو، الخبير الاقتصادي الذي يدعو لاتخاذ موقف متشدد بشأن التجارة مع الصين، رئيساً لمجلس التجارة الوطني المشكل حديثاً في البيت الأبيض. كما عين روبرت لايتهايزر في منصب نائب الممثل التجاري الأميركي. ولايتهازر، محام متخصص في قضايا مكافحة الإغراق وكسب عدة قضايا لشركات أميركية، وهو معروف كذلك بعدائه للصين.
وحسب خبراء في واشنطن، يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى تحجيم التمدد التجاري الصيني في أميركا، عبر الرسوم الجمركية المرتفعة ومحاصرتها أوروبياً عبر إعلانها "دولة متلاعبة بالعملة" وزرع شكوك حول أحقيتها في عضوية منظمة التجارة العالمية.
وتعد الصين قوة اقتصادية صاعدة يقدر حجم اقتصادها بـ10 تريليونات دولار بينما يقدر حجم الاقتصاد الأميركي 16.77 تريليون دولار.
لكن لكل اقتصاد نقاط ضعف وقوة في الحرب التجارية المتوقعة بين العملاقين، حيث إن الصين تعتمد على رخص بضائعها في الأسواق العالمية مقارنة بنظيرتها الأميركية. في المقابل، تعتمد أميركا في قوتها الاقتصادية على الصناعة المصرفية وأسواق المال والدولار كعملة "تسوية واحتياط" دولية، ذات وزن مهيمن في أسواق الصرف. كما أن اليوان الصيني لا يزال مرتبطا بالدولار وغير معوم تماماً حتى يحسب في عداد العملات الحرة التي تتم المتاجرة بها عالمياً. وقد تعرض اليوان لعدة هزات خلال العامين الأخيرين. ولا يستبعد خبراء ترامب أن يستخدم سياسة الفائدة الأميركية لخلخلة الاقتصاد الصيني.
من جانبها تعد بكين لاحتمال "النزاع التجاري" مع واشنطن عبر عدة محاور من بينها، محور الأسواق الجديدة، حيث تواصل بكين بحثها الدائم عن أسواق جديدة أو توسيع أسواقها الحالية، إذ تزيد من استثماراتها مع دول "الحزام والطريق"، حيث تقوم بإحياء طريق الحرير القديم عبر الجمهوريات السوفيتيية السابقة والدول العربية ومد خطوط السكك الحديدية لنقل بضائعها مباشرة وبيعها عبر هذه الدول.
كما تعمل بكين كذلك، بنشاط شديد تجاه تحرير سعر صرف اليوان وزيادة هامش الذبذبة مقابل الدولار، وربما تعويمه خلال هذا العام إذا تزايدت "الحرب التجارية". وفي هذا الصدد، لاحظ مصرفيون، من بينهم مصرف"بانك أوف أميركا ـ ميريل لينش"، أن الصين رفعت خلال العامين الماضيين رصيدها من الذهب، وساهمت في تأسيس مؤسسات مالية موازية لصندوق النقد والبنك الدوليين مع مجموعة "بريكس". ومن هذه المؤسسات بنك التنمية الجديد، ومقره شنغهاي برأس مال 100 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومقره بكين، برأس مال أولي قيمته 50 مليار دولار ورأس مال مصرح به قدره 100 مليار دولار.
كما اشترت الصين كميات كبيرة من الذهب، ويقدر رصيد الصين من الذهب حالياً بحوالى 1839 ألف طن ، كما اشترت مخازن للذهب في كل من لندن وسنغافورة. وهنالك نوايا صينية لبيع مستحقاتها في سندات الخزانة الأميركية البالغة أكثر من ترليون دولار. وفي حال تنفيذ بكين لمبيعات سندات الخزانة الأميركية، فإن ذلك سيؤثر على سعر صرف الدولار. لكن يرى مصرفيون في لندن أن بكين ستراعي مصالحها في عمليات بيع السندات نظراً لضخامة حجمها. وربما يكون ترامب قد ألمح إلى مثل هذا الاحتمال خلال حملته الانتخابية، حينما قال إنه سيساوم حملة السندات أو أصحاب الديون على خصم نسبة منها مقابل التسديد.
فالصين تعد منذ مدة لاحتمالات نهاية "شهر العسل" الأميركي، ولكن يبدو حسب خبراء في الشأن الصيني أن بكين لا ترغب في مواجهة سياسية أو عسكرية أو حتى تجارية مع واشنطن، وإنما ترغب في ترك ذلك لحليفتها موسكو، لتواصل هي التقدم والتمدد ومحاصرة أميركا وحلفائها تجارياً واقتصادياً، عبر إغراق أسواق العالم بالسلع الرخيصة.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الخبراء الذين اطلع "العربي الجديد" على آرائهم ، منقسمون بشأن خطط إشعال الرئيس ترامب "النزاع التجاري" مع بكين إلى ثلاث فئات. فئة ترى أن تصريحات ترامب العدائية تجاه بكين كانت لكسب أصوات الناخبين من عمال المصانع التي أغلقت أبوابها بسبب إغراق الصين للسوق الأميركي بالبضائع الأميركية، ولكنه حينما يتسلم الحكم، فسيتعامل مع الصين بمنطق التفاهم.
أما الفئة الثانية فتعتقد أن الرئيس ترامب قصد من هذه التهديدات والموقف العدائي، وضع بكين في موقف المدافع في المفاوضات التجارية، حينما يتسلم الحكم ويحصل منها على أكبر تنازلات ممكنة. ومن أنصار هذا الرأي الاقتصادي الأميركي جيمس راكارد مؤلف كتاب "الطريق إلى الدمار".
ويرى راكارد أن ترامب يريد الضغط على الحكومة الصينية حتى تفتح سوقها بدرجة أكبر للاستثمارات والشركات المالية الأميركية.
بينما تتبنى الفئة الثالثة رأيا مفاده أن ترامب يرى أن الصين استفادت من العولمة والانفتاح، ومن عضويتها في منظمة التجارة العالمية على حساب المعسكر الرأسمالي في أميركا وأوروبا الغربية. وبالتالي، فإن خطط العولمة وتحرير التجارة والاستثمار والانفتاح الاقتصادي، التي تبنتها أميركا خلال العقدين الأخيرين، خدمت الصين ومصالحها التجارية وأضرت بأميركا وحلفائها في أوروبا، ما يعني أنه قد يكون آن الأوان لحرمان الصين من مزايا حرية التجارة.