17 نوفمبر 2024
وادي بردى مصالحات الماء
وادي بردى محاط بغوطة شديدة الخضرة تلامس ظهر دمشق، وتؤمن المجرى المائي الذي يروي أهالي العاصمة، تتوزّع قراه الثلاث عشرة على طول النهر، وتدنو بيوتها إلى أقرب نقطة من حوافِ الوادي وضفاف النهر. يمتلك الوادي كل المياه التي تحتاج لها دمشق، والتي يتم حصادها خلال موسم الشتاء من على المنحدرات الجبلية التي تحفّ بالوادي، وتنحدر خلال فصلي الربيع والصيف على طول المجرى، ولمسافة خمسة وثمانين كيلومترا. شكَّل وادي بردى رئة دمشقيةً وخزاناً مائياً عذباً، وصنِّفت مياهه بأنها من أعذب مياه الدنيا.
خرجت منطقة الوادي عن سلطة النظام في وقت مبكر من عمر الثورة وما زالت. لكن، لم يشكل امتلاك ماء الشام والقدرة على التحكم بمجراها طوق نجاة للسكان، فصبّ النظام حممه على الوادي، وحاصره وقتل عديداً من أبنائه.
بعد سيطرة الأهالي على قراهم، وخروج أجهزة النظام من وسط البلدات وتشكيل الجيش الحر، ضرب النظام حول القرى الحصار. ومع بداية عام 2012، هدّدت كتائب الجيش الحر بقطع مياه النبع عن دمشق، بعد الحصار الخانق على سكان المنطقة من النظام، فلمحوا إلى إمكانية إيقاف ضخ المياه من نبع الفيجة. أذعن النظام عندها، وخفّف من ضغطه على قرى الوادي، وجرى تسليم النبع وملحقاته الميكانيكية والفنية إلى جهةٍ تقنيةٍ متخصّصةٍ قامت بإدارته. جرت الحادثة الثانية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، فقطعت تنظيمات إسلامية ناشئة المياه فعلياً عن مدينة دمشق، وذلك بعد أن قصف النظام قرى الوادي، وبدأ سكان دمشق بالشكوى من شحّ المياه التي سرعان ما عادت، بعد أن أُجبر النظام على وقف القصف.
يرغب النظام المنتشي بعمليات التهجير التي يسميها مصالحة بتوسع استراتيجي حول دمشق، وتكبير نصف قطر أمانه الذي يحيط بالعاصمة. وقد بدأ، مع أواخر العام الماضي، بالتغلغل إلى الريف الغربي، فاسترجع داريا بعد حصار السنوات الخمس ثم المعضمية، ولا تزال قرى وادي بردى تشكل للنظام فضاءً متصلاً مع الريف الغربي، وتحقق له تواصلاً مع الحدود اللبنانية السورية، وتقفل القوس المفتوحة في الزبداني في أقصى الشمال المحاذي للحدود، هذا القطاع هو المكان الذي يتحرّك حوله حزب الله بحيوية، ولديه رغبة واضحة بالاستيلاء عليه، وربما محاولة الحزب منع الوفد الروسي الذي دخل إلى المنطقة، لعقد اتفاق إدخال ورشات الصيانة، هدفها تصعيد الضغط على الأهالي، من دون اعتبار لتعطيش سكان دمشق، الأمر الذي لا تلقي له مليشيا حزب الله بالاً، لكنها حاولت اتهام الطرف الآخر بهذا التعطيل من باب رفع العتب، فبالرجوع وراءً نجد أن المبادر في تحريك هذه الجبهات عسكرياً، وتعريض النبع للخطر، هو الجانب الذي يُحاصِر، والذي يمتلك الأسلحة الثقيلة القادرة على تدمير منشآت النبع المدنية والميكانيكية. وبعد أن تخسر فصائل المنطقة امكانية التحكم بالماء، سيصبح من السهل على النظام خنق الوادي، وفرض "المصالحة" التي يرغب بها.
الأخبار الآن متضاربة حول التوصل إلى اتفاق، واختراقات محدودة تتم بين ساعة وأخرى، ولكن الحقيقة أن دمشق بلا ماء منذ أكثر من أسبوعين، ولو حصل توافقٌ فسيكون نسخةً عما سبقه، وسيتضمن عمليات تهجير وإذلال وإحلال سكاني.
دمشق التي لطالما اعتمدت في حياتها على مياه النبع في خطرٍ حقيقي، وكتلة سكانية كبيرة تحت تأثير العطش، في ظل عدم توفر بديل عاجل، وهذه حجة سيضعها النظام في رصيده، عندما يتهم "الجماعات الإرهابية". وحتى بعد عمليات الإصلاح التي يفضل النظام أن يجريها حين يدخل بقوة السلاح إلى منطقة النبع، لن تكون دمشق في منأىً عن التهديد، حين يملأ جنود حزب الله الوادي من الزبداني وحتى الهامة. وعندها، سينضم نهر بردى ذاته إلى نبع الفيجة، في تقاسم خطر الاحتلال، وكل سكان دمشق سيصبحون رهائن ماءٍ في يد حسن نصر الله.
خرجت منطقة الوادي عن سلطة النظام في وقت مبكر من عمر الثورة وما زالت. لكن، لم يشكل امتلاك ماء الشام والقدرة على التحكم بمجراها طوق نجاة للسكان، فصبّ النظام حممه على الوادي، وحاصره وقتل عديداً من أبنائه.
بعد سيطرة الأهالي على قراهم، وخروج أجهزة النظام من وسط البلدات وتشكيل الجيش الحر، ضرب النظام حول القرى الحصار. ومع بداية عام 2012، هدّدت كتائب الجيش الحر بقطع مياه النبع عن دمشق، بعد الحصار الخانق على سكان المنطقة من النظام، فلمحوا إلى إمكانية إيقاف ضخ المياه من نبع الفيجة. أذعن النظام عندها، وخفّف من ضغطه على قرى الوادي، وجرى تسليم النبع وملحقاته الميكانيكية والفنية إلى جهةٍ تقنيةٍ متخصّصةٍ قامت بإدارته. جرت الحادثة الثانية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، فقطعت تنظيمات إسلامية ناشئة المياه فعلياً عن مدينة دمشق، وذلك بعد أن قصف النظام قرى الوادي، وبدأ سكان دمشق بالشكوى من شحّ المياه التي سرعان ما عادت، بعد أن أُجبر النظام على وقف القصف.
يرغب النظام المنتشي بعمليات التهجير التي يسميها مصالحة بتوسع استراتيجي حول دمشق، وتكبير نصف قطر أمانه الذي يحيط بالعاصمة. وقد بدأ، مع أواخر العام الماضي، بالتغلغل إلى الريف الغربي، فاسترجع داريا بعد حصار السنوات الخمس ثم المعضمية، ولا تزال قرى وادي بردى تشكل للنظام فضاءً متصلاً مع الريف الغربي، وتحقق له تواصلاً مع الحدود اللبنانية السورية، وتقفل القوس المفتوحة في الزبداني في أقصى الشمال المحاذي للحدود، هذا القطاع هو المكان الذي يتحرّك حوله حزب الله بحيوية، ولديه رغبة واضحة بالاستيلاء عليه، وربما محاولة الحزب منع الوفد الروسي الذي دخل إلى المنطقة، لعقد اتفاق إدخال ورشات الصيانة، هدفها تصعيد الضغط على الأهالي، من دون اعتبار لتعطيش سكان دمشق، الأمر الذي لا تلقي له مليشيا حزب الله بالاً، لكنها حاولت اتهام الطرف الآخر بهذا التعطيل من باب رفع العتب، فبالرجوع وراءً نجد أن المبادر في تحريك هذه الجبهات عسكرياً، وتعريض النبع للخطر، هو الجانب الذي يُحاصِر، والذي يمتلك الأسلحة الثقيلة القادرة على تدمير منشآت النبع المدنية والميكانيكية. وبعد أن تخسر فصائل المنطقة امكانية التحكم بالماء، سيصبح من السهل على النظام خنق الوادي، وفرض "المصالحة" التي يرغب بها.
الأخبار الآن متضاربة حول التوصل إلى اتفاق، واختراقات محدودة تتم بين ساعة وأخرى، ولكن الحقيقة أن دمشق بلا ماء منذ أكثر من أسبوعين، ولو حصل توافقٌ فسيكون نسخةً عما سبقه، وسيتضمن عمليات تهجير وإذلال وإحلال سكاني.
دمشق التي لطالما اعتمدت في حياتها على مياه النبع في خطرٍ حقيقي، وكتلة سكانية كبيرة تحت تأثير العطش، في ظل عدم توفر بديل عاجل، وهذه حجة سيضعها النظام في رصيده، عندما يتهم "الجماعات الإرهابية". وحتى بعد عمليات الإصلاح التي يفضل النظام أن يجريها حين يدخل بقوة السلاح إلى منطقة النبع، لن تكون دمشق في منأىً عن التهديد، حين يملأ جنود حزب الله الوادي من الزبداني وحتى الهامة. وعندها، سينضم نهر بردى ذاته إلى نبع الفيجة، في تقاسم خطر الاحتلال، وكل سكان دمشق سيصبحون رهائن ماءٍ في يد حسن نصر الله.