هي النكبة الفلسطينية المتجددة
لم تتوقف نكبة الشعب العربي الفلسطيني منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا، وإن كانت بأشكال مختلفة ومتعددة. فقد حدثت النكبة الأولى بفعل المجازر الصهيونية بحق قرى وبلدات فلسطينية عديدة، لإجبار أهاليها على الهجرة، وهذا ما اعترف به مؤرخون جدد يهود. وإذا كان الرئيس الأول لحكومة إسرائيل آنذاك، ديفيد بن غوريون، وإيغال يادين قد صاغا الخطة العسكرية المعروفة باسم (الخطة دالت) لارتكاب المجازر لتهجير شعبنا الفلسطيني في حينه، ما أدى إلى تدمير أكثر من 530 بلدة وقرية فلسطينية، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، ومعه مجموعة من اليمين الديني والقومي المتطرف يشرعون قوانين عنصرية، لتقوم بالمهمة التهجيرية الإحلالية نفسها.
بدء الإجراءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين سكان مدينة القدس خصوصاً، والداخل عموماً، والمتمثلة بسحب الهويات وحرمانهم من الحقوق المدنية والاجتماعية، والذي جاء بناء على قرار من رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، ووزير داخليته، غلعاد أردان، يعني تفريغ مدينة القدس من أهلها الأصليين وإبقاء أغلبية يهودية في القدس، حيث يعتقد نتنياهو واليمين الإسرائيلي أن وجود حوالي 37% من سكان القدس من الفلسطينيين يؤثر سلباً على توحيد القدس وبقائها العاصمة لدولتهم، حيث يريد خفض وتقليل نسبة الفلسطينيين في مدينة القدس، لتحويلهم إلى مجموعات قليلة من المقيمين وغير السكان، خصوصاً أن الهوية الزرقاء لا تعطيهم المواطنة، ولا الجنسية، ولا الحقوق السياسية. وفي قراءة لتصريحات نتنياهو، فإن قرار سحب الهويات الزرقاء سيشمل كل الذين يحرضون على دولة إسرائيل وكل الذين يرشقون الحجارة على المستوطنين والجيش وعائلاتهم، وسيشمل، أيضاً، أولئك الذين يرابطون في المسجد الأقصى للدفاع عنه أمام الهجمات الإسرائيلية والاقتحامات، وهذا يعني أن قراره سيطال أغلبية سكان مدينة القدس الفلسطينيين، ما سيؤدي إلى إفراغها من أصحابها الفلسطينيين، وهم أصل المدينة.
أما إقرار اللجنة الوزارية الحكومية للتشريع لقانون القومية، والمعروف بقانون يهودية إسرائيل، فيحمل مخاطر جدية كثيرة على بقاء أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في دولة إسرائيل، بحرمانهم من حقوقهم السياسية الجماعية، وتركهم، كأفراد، للمطالبة فقط بالحقوق الفردية، مدنية أو اجتماعية، وذلك بإلغاء كل الحقوق والرموز الجماعية للشعب العربي الفلسطيني في دولة إسرائيل، سواء الدين أو اللغة، وباقي الحقوق والرموز الأخرى. كما يشكل هذا القانون صفعة وإهانة لكل الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي من مسلمين ودروز ومسيحيين، وخصوصاً بعد أن لقي شرطيان درزيان مصرعهما، قبل أسبوع في أثناء خدمتهما العسكرية في مدينة القدس، إضافة إلى مئات آخرين، لقوا مصرعهم في الحروب والعمليات العسكرية، منذ سنوات الصراع.
لن يؤدي إقرار هذا القانون إلى إلغاء الأقلية العربية الفلسطينية فحسب، بل إلى إلغاء ما تبقى من قوانين قضائية في إسرائيل، والمتمثلة في محكمة العدل العليا، كونها مستهدفة وبشكل واضح من الزمرة اليمينية التي تحكم إسرائيل حالياً. وسيؤدي هذا إلى أن غير اليهود من المهاجرين الذين قدموا إلى إسرائيل، في العقدين الماضيين، سيعانون منه، وخصوصاً أنه لم يتم تعريفهم كيهود، لأن محكمة العدل العليا، والقضاء الإسرائيلي عموماً، سيعطي الأولوية لليهودي واليهودية في النظر في أية قضية، وذلك على حساب ما تبقى من قانون وديمقراطية في إسرائيل.
بغضّ النظر عن توقيت طرح هذه القوانين في هذا التوقيت، خصوصاً أن لطرحها أسباباً وخلفيات انتخابية ويمينية، إلا أن المهم ليس فقط بالسلوك الإسرائيلي الاجتثاثي، وإنما يتعلق، أولاً وأخيراً، بالشعب الفلسطيني وقواه الحية، سواء في الداخل أو في الضفة والقطاع. لذلك، أعتقد أنه أصبح لزاماً على الأحزاب العربية في الداخل أن تعيد النظر في بقائها بالشكل الحالي، وأن تفكر جدياً، إما بالتوحد في قائمة مشتركة، أو في جدوى المشاركة في الانتخابات السياسية في إسرائيل. أما السلطة الوطنية ومنظمة التحرير فأصبحتا ملزمتين، الآن، بإعادة النظر في اعترافهما بإسرائيل دولة في المنطقة، بعد أن تخلت عن كل الاتفاقيات السياسية، وكشفت عن حقيقتها العنصرية الاستعمارية، وتواصل استكمال سياسات التهجير والإقصاء، امتداداً لنكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948.