هواجس مواطن تونسي

06 مارس 2017
+ الخط -
عندما تستمع الى الشارع التونسي بمواطنيه، نخبه، خبرائه ومتكلميه حول العلاقة مع صندوق النقد الدولي، تستوقفك جملة من المفردات: عجز، أزمة اقتصادية، إصلاحات، هيكلة، شروط الصندوق.
في ظل هذه الحالة من الترّقب والخوف والقلق التي يعيشها المجتمع التونسي، جاءت تصريحات وزيرة المالية، لمياء الزريبي، لوكالة رويترز، لتؤكد الهواجس الكئيبة، فحكومة الوحدة الوطنية تخطّط لتسريح ما لا يقل عن 10 آلاف موظف في القطاع العام بشكل اختياري في 2017، في إطار التزامات تونس أمام صندوق النقد الدولي، بإجراء إصلاحات اقتصادية واسعة في البلاد.
وجاء التحوير الوزاري الذي أجراه أخيرا رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ليزيد من حجم التساؤلات عن العلاقة بصندوق النقد الدولي والدول الراعية له، في ظلّ الحديث عن معركة العضلات المفتولة مع نقابات اتحاد الشغل.
ينتهك صندوق النقد الدولي، من خلال سياساته وتدخلاته في الشؤون الداخلية للبلدان، سيادة هذه الدولة أو تلك، ويجبرها على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى من المواطنين، وتخلّف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي، مستخدماً عملية التمويل سلاحا له.
يقول الاقتصادي الأميركي، وأحد أهم مساعدي الرئيس الأسبق بيل كلينتون، جوزيف ستيغلتش، إنّ القروض التي تُقدّم من صندوق النقد الدولي إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة، وأوضح، في بحثٍ نشره عن قروض الصندوق للدول النامية، أنّ لوائح الصندوق الدولي تشترط عدم مزاولة ضغوط على الدول المقترضة، لإجبارها على تبني سياساتٍ لا علاقة بها بالمشكلة الإقتصادية، مؤكدًا أنّ تلك البنود يتم اختراقها في أوقاتٍ كثيرة.
لا أعلم صدقا هل إنّ أرباب السياسة ومتنفذي الحكم في بلادنا على دراية بمساوئ السقوط في شراك صندوق النقد الدولي، أو أنّ إغراءات التمويل والقروض لتيسير الحكم وخدمة طبقة أصدقائهم المستثمرين جعلت من الضروري تقارب المصالح!
جاء تصريح رئيس الحكومة ليؤكد الفلسفة الجديدة للدولة التونسية، إنّ دورها "تهيئة المناخ الملائم للاستثمار لا غير"، داعياً بطريقة مبطنة عموم التونسيين إلى الترّحم على دولة الرعاية الإجتماعية .
محاولات تقليص الدور الطبيعي للدولة لن تنتج سوى زيادة التفاوت الاجتماعي، والأزمات المالية، ولك في الدول الغربية مثال. أما الدول النامية التي طبّقت الوصفات النيوليبرالية حول الخوصصة والفتح غير العادل للأسواق، فلم تحصد سوى تردّي الخدمات الأساسية وزيادة الفقر والديون والبطالة، في ظلّ سطوة القلّة المرفهة على الأغلبية المُعْدمَة، برعاية خبراء صندوق النقد الدولى .
انتظاراً للقرارات الإقتصادية الصادمة والمؤلمة التي تفكر الحكومة في اتخاذها من خلال رفع الضريبة على القيمة المضافة وزيادة الضرائب وخصخصة المنشآت العمومية وتقليل الإنفاق على صـندوق الدعـم، إضـافة إلى مراجـعة صنـاديق الجـراية وصنـاديق التـغطية الاجتـماعيّة تطبيقًا لسياسات صندوق النقد الدولي، هل لنا أن نسأل حكومتنا الموقرة: لماذا لم تتخذ خطوات حقيقية في تطبيق العدالة الجبائية والتصدي للتهرب الجبائي؟ أين الإرادة الحقيقية في مقاومة الفساد واستخلاص ديونها لدى الشركات والمؤسسات باعتبارها موارد ضخمة للدولة وواجبات قانونية فرطت الحكومة في النهوض بها، وهو ما يدفعها إلى الخضوع لالتزامات خارجية مجحفة ومخلة بالسيادة الوطنية؟
التضحيات لا يجب أن تكون فقط على كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بل باتخاذ إجراءات موجعة لمحاسبة المهربين واسترجاع أموال الشعب التونسي المهرّبة، فما هو ذنب المواطن التونسي "الزوالي" الحالم بقرض سكني أو الفلاح البسيط المتعوّد على الاقتراض للاستثمار؟ فلماذا تخفي الدولة التونسية أنّ بنك الاسكان استرجع نسق تطوره؟ وأنّ البنك الوطني الفلاحي الذي يموّل حوالي 80% من القطاع الفلاحي، استرجع هو الآخر عافيته؟ أم أنّ حكومة رجال الأعمال، لا هم لها إلا استرضاءهم، وكأنّه صار شرطا لبقائهم، أو ربما كان شرطا لوصوله.
25EF9572-6B75-4C8E-AC26-E34D07CA106D
25EF9572-6B75-4C8E-AC26-E34D07CA106D
عصام الدين الراجحي (تونس)
عصام الدين الراجحي (تونس)