15 سبتمبر 2019
هنري الثامن وتغيير الدستور
محمد الشبراوي (مصر)
يبدو أن صاحب الحاجة أعمى، يروم قضاءها بأي شكل كان، ولا بأس أن يفكر ويحلل بعد أن تأتي الطوبة في المعطوبة. لم يرق لهنري الثامن العيش مع زوجته (وأرملة أخيه سابقًا)، كاثرين دي أراغون، حيث استولت وصيفتها، آن بولين، على عقله وقلبه، وقادته تهاويم خياله لمستقبل معقد.
رفضت بولين كل إغواءات الملك، وأحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنِعا؛ فتذلل هنري وقد شغف بحبها، وحاول بكل ما أوتي من نفوذ أن يظفر بها. الوصول إلى المراد ليس سهلًا، ويقتضي المشي على الأشواك والمبادئ، لكن في سبيل الشهوة تهون أقدار الشعوب، وكل شيءٍ قد يهون! إن ولاء الكنيسة للإمبراطور، تشارلز الخامس، والإمبراطور خال كاثرين، ما يعني استحالة موافقة الكنيسة، ولا بد من حل غير تقليدي، وتفكير خارج الصندوق.
تعديل الدستور هو الحل، وإن لم تفلح عملية ترقيع الدستور؛ فتمزيقه وكتابة دستور جديد ليست بالقضية الكبرى. رفض البابا إبطال زواج كاثرين من هنري، وكان أمرًا متوقعًا، لكن سيل الألاعيب لا ينقطع، وقد جرى لعاب هنري وسيصل لهدفه بأي وسيلة. استثمر هنري وفاة كبير الأساقفة، وعيَّن رجله المقرَّب ومهندس الانقلاب المذهبي، توماس كرانمر؛ فتمت اللعبة على الوجه المرسوم.
وجاء عام 1534 ليفرض هنري سطوته وأحكم خناقه على كل السلطات، وقرر أن يستبدل السلطة البابوية بسلطته الشخصية، وانفرد بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، وغيرها من الأجهزة المفصلية الحيوية في بريطانيا، واجتمع بهلوانات البرلمان ليباركوا المشروع، واستصدروا "قانون الخيانة" لتجريم كل من يتكلم أو يكتب ضد المسخ الجديد!
غيَّر الدستور وتلاعب بالقانون بدم بارد، وساعده في مسرحيته الهزلية فوج من المهرجين، وأنفقت مبالغ طائلة لسنِّ الدستور الجديد. وبينما يخطط للاستيلاء على بولين، ويرتب لتغيير دستور البلاد ليوافق هواه، كان التضخم يعصف باقتصاد بريطانيا، واختفى الأرز المدعم من الأسواق، وكأن حظ الغلابة أن ينبهروا بعبقرية الباب العالي، وأن يكابدوا الجوع في صمت وخشوع، وإذا حزبهم أمر دعوا الله أن يمتع الحاكم بصحة وعافية.
ولأجل عيني آن بولين، تحوّلت بريطانيا بأسرها من المذهب الكاثوليكي إلى المذهب البروتستانتي، ورحبت السجون بالمعارضين ورافضي التغيير، ولأجل شخصٍ واحد انقلبت حياة الملايين رأسًا على عقب، وفُصلت كنيسة بريطانيا عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ثم ماذا؟
وفشلت التعديلات فشلًا ذريعًا، ولم تنجب آن بولين وريثًا ذكرًا لعرش بريطانيا، ومن قبلها فشلت كاثرين؛ فأنجبت بولين، إليزابيث الأولى، وأنجبت كاثرين، ماري. ليس الأطفال وحدهم سريعي الضجر، إذ ضاق هنري ذرعًا ببولين، وشعر أنه تسرَّع في زواجهما، وأنه ارتكب حماقة لا تغتفر يوم عدَّل الدستور؛ فلفق لها تهمة الخيانة الزوجية، وأعدمها بالسيف. وبعد عشرة أيام، تزوج هنري من جاين سيمور، وأنجب منها الأمير إدوارد، وماتت في حمى النفاس.
لم يهنأ بالتعديلات الجديدة، وخطفه الموت بعدها بقليل، ومن بعده أُعدِم كرانمر، ثم دبت حمى الفوضى والتوتر أرجاء البلاد، وذاق الشعب المسكين مرارة تصابي ومراهقة الحاكم.
قبل سقوطه على وجهه في دوامة الحب، كان هنري من أكبر المدافعين عن المذهب الكاثوليكي، وتصدى للرد على مارتن لوثر كينغ، وخلع البابا عليه لقب، حامي الإيمان، ونسي البابا أنّ حاميها حراميها، ولما جلست إليزابيث الأولى على العرش، تحولت آن بولين من خانة الخونة إلى قديسة شهيدة، والألقاب، كما التاريخ، يختلقها الجالس على العرش، وربما تموت بموته وقد تسبقه إلى القبر، والتغرير بالألقاب ينطلي على كثيرين.
يقع بعضهم في حب امرأة، ويسقط آخرون في حب الكراسي، فيما غيرهم يحلم بـ "سوق العيش".
رفضت بولين كل إغواءات الملك، وأحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنِعا؛ فتذلل هنري وقد شغف بحبها، وحاول بكل ما أوتي من نفوذ أن يظفر بها. الوصول إلى المراد ليس سهلًا، ويقتضي المشي على الأشواك والمبادئ، لكن في سبيل الشهوة تهون أقدار الشعوب، وكل شيءٍ قد يهون! إن ولاء الكنيسة للإمبراطور، تشارلز الخامس، والإمبراطور خال كاثرين، ما يعني استحالة موافقة الكنيسة، ولا بد من حل غير تقليدي، وتفكير خارج الصندوق.
تعديل الدستور هو الحل، وإن لم تفلح عملية ترقيع الدستور؛ فتمزيقه وكتابة دستور جديد ليست بالقضية الكبرى. رفض البابا إبطال زواج كاثرين من هنري، وكان أمرًا متوقعًا، لكن سيل الألاعيب لا ينقطع، وقد جرى لعاب هنري وسيصل لهدفه بأي وسيلة. استثمر هنري وفاة كبير الأساقفة، وعيَّن رجله المقرَّب ومهندس الانقلاب المذهبي، توماس كرانمر؛ فتمت اللعبة على الوجه المرسوم.
وجاء عام 1534 ليفرض هنري سطوته وأحكم خناقه على كل السلطات، وقرر أن يستبدل السلطة البابوية بسلطته الشخصية، وانفرد بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، وغيرها من الأجهزة المفصلية الحيوية في بريطانيا، واجتمع بهلوانات البرلمان ليباركوا المشروع، واستصدروا "قانون الخيانة" لتجريم كل من يتكلم أو يكتب ضد المسخ الجديد!
غيَّر الدستور وتلاعب بالقانون بدم بارد، وساعده في مسرحيته الهزلية فوج من المهرجين، وأنفقت مبالغ طائلة لسنِّ الدستور الجديد. وبينما يخطط للاستيلاء على بولين، ويرتب لتغيير دستور البلاد ليوافق هواه، كان التضخم يعصف باقتصاد بريطانيا، واختفى الأرز المدعم من الأسواق، وكأن حظ الغلابة أن ينبهروا بعبقرية الباب العالي، وأن يكابدوا الجوع في صمت وخشوع، وإذا حزبهم أمر دعوا الله أن يمتع الحاكم بصحة وعافية.
ولأجل عيني آن بولين، تحوّلت بريطانيا بأسرها من المذهب الكاثوليكي إلى المذهب البروتستانتي، ورحبت السجون بالمعارضين ورافضي التغيير، ولأجل شخصٍ واحد انقلبت حياة الملايين رأسًا على عقب، وفُصلت كنيسة بريطانيا عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ثم ماذا؟
وفشلت التعديلات فشلًا ذريعًا، ولم تنجب آن بولين وريثًا ذكرًا لعرش بريطانيا، ومن قبلها فشلت كاثرين؛ فأنجبت بولين، إليزابيث الأولى، وأنجبت كاثرين، ماري. ليس الأطفال وحدهم سريعي الضجر، إذ ضاق هنري ذرعًا ببولين، وشعر أنه تسرَّع في زواجهما، وأنه ارتكب حماقة لا تغتفر يوم عدَّل الدستور؛ فلفق لها تهمة الخيانة الزوجية، وأعدمها بالسيف. وبعد عشرة أيام، تزوج هنري من جاين سيمور، وأنجب منها الأمير إدوارد، وماتت في حمى النفاس.
لم يهنأ بالتعديلات الجديدة، وخطفه الموت بعدها بقليل، ومن بعده أُعدِم كرانمر، ثم دبت حمى الفوضى والتوتر أرجاء البلاد، وذاق الشعب المسكين مرارة تصابي ومراهقة الحاكم.
قبل سقوطه على وجهه في دوامة الحب، كان هنري من أكبر المدافعين عن المذهب الكاثوليكي، وتصدى للرد على مارتن لوثر كينغ، وخلع البابا عليه لقب، حامي الإيمان، ونسي البابا أنّ حاميها حراميها، ولما جلست إليزابيث الأولى على العرش، تحولت آن بولين من خانة الخونة إلى قديسة شهيدة، والألقاب، كما التاريخ، يختلقها الجالس على العرش، وربما تموت بموته وقد تسبقه إلى القبر، والتغرير بالألقاب ينطلي على كثيرين.
يقع بعضهم في حب امرأة، ويسقط آخرون في حب الكراسي، فيما غيرهم يحلم بـ "سوق العيش".