توزّعت مظاهر القهر والألم والفقر على وجوه عائلة البيشاوي، من منطقة الصفطاوي إلى الشمال من مدينة غزة، حيث الفقر المدقع والمرض والمسكن السيئ والجوع والبرد، علاوة على انقطاع الكهرباء الذي يحيل حياتهم إلى قطعة من الجحيم.
وتعدُّدُ أشكال الحرمان والعوز يعكسُ مأساة أسرة البيشاوي وأسر أخرى، مع اشتداد موجة البرد وانقطاع الكهرباء، إلى جانب فقدان مصادر الدخل وغياب المساعدات، وعدم توفر أدنى مقومات الحياة الآدمية.
يكسو السواد جدران البيت، وسقفه "الزينقو" كنتيجة لإشعال النار لطهو الطعام، عادم الأدخنة شكل لوحة قاسية أخرى من لوحات الوجع الذي تشاركت به مجموعة من العائلات تقطن منطقة "جورة الصفطاوي" المنخفضة عن مستوى الشارع العام، والتي تغرق في الشتاء من جراء مياه الأمطار، وتتحول إلى كتلة صفيح ساخنة في الصيف.
تقول نهاد البيشاوي (30 سنة)، وقد غُمر صوتها أسىً وألماً، إنها لم تعد تقوى على هذه الحياة الصعبة، حيث تعيش مع زوجها وأربعة من الأولاد داخل غرفة واحدة، ويحيط بهم البرد من كل الجهات، ويهددهم الغرق في مياه الأمطار كل لحظة.
وتضيف لـ"العربي الجديد"، أن اشتداد أزمة الكهرباء والغاز فاقم معاناتهم، حيث أصبحوا يعتمدون على النار في طهو طعامهم، موضحة أنها وعائلتها تحصل على الطعام من الصدقات وبعض الجمعيات الخاصة بالمساعدات، الذي لا يكفي لسد رمق حياتهم.
وتقول إن زوجها رفيق البيشاوي الذي كان يعمل خياطاً أصبح عاطلاً عن العمل نتيجة إصابته في العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، داعية المسؤولين إلى الالتفات لمعاناتهم المتفاقمة، وإيجاد مأوى آمن ينقذهم من المرض والموت البطيء الذي يحاصرهم من كل الجهات.
في الغرفة المجاورة وتحت نفس السقف المهترئ، يسكن عامر البيشاوي، وزوجته أم عمر (27 سنة)، والتي تقول لـ"العربي الجديد": "وضعنا تحت الصفر، زوجي لا يعمل، لكننا لا نريد مساعدات، بل نريد يداً صادقة تمتد لانتشالنا من هذا المكان الذي يغرقنا شتاءً ويحرقنا صيفاً".
أشكال الوجع توزعت على عدة منازل أخرى، وفاق كل منزل وجع الآخر. يقول رائد العبيد (33 سنة)، والذي يعمل في جمع البلاستيك وبيعه، إن عائد تلك المهنة لا يكفيه لشراء وجبة غذاء واحدة في اليوم، لكنه يستعين بها لسد رمق عائلته المكونة من زوجته وابنته ووالدته.
وتقول الحاجة أم رائد العبيد، والتي جلست أمام كانون النار تطهو على ناره، إن ظروفهم المعيشية صعبة للغاية، وأن المرض والعوز يحاصرهم، مناشدة الرئيس الفلسطيني والحكومة وكل المعنيين الالتفات لمعاناتهم، والقضاء عليها قبل أن تقضي عليهم.
وتوافقها الرأي جارتها، سهاد جمال (33 سنة)، وهي أم لسبعة أولاد وبنات، وتعيش في غرفة غير صالحة للسكن الآدمي برفقة زوجها المريض، يؤدي إلى تلك الغرفة نفق من القماش والحصائر المهترئة، وطالبت جمال المسؤولين بإنقاذهم من معاناتهم المتواصلة والالتفات إليهم، موضحة أنها لا تحصل سوى على مساعدات أهل الخير، وتعيل أسرتها "بالتسول".
فيديو وصور (عبد الحكيم أبو رياش)