27 فبراير 2017
هناك في الخرطوم
خالد سراج الدين (السودان)
يحتمي الحمام بالساحة الإسمنتية، هرباً من الشمس الحارقة، حيث يجد في انتظاره موائد خبز يابس، نثرها أصحاب محلات الأناتيك، يتناولها مسرعاً كعادته في طلب الحَبْ. يختفي الحمام، بعد إكمال وجبته، رويداً من الأنظار، ليزدهي المكان بكثيرين من البشر الذين انتظروا حتى تضع الشمس جبينها علي وسادة الكون الفسيح، لتخفي أشعتها المباني القديمة أو تختفي خلفها في أمل قسط النوم.
بعد نزول طقس العصر البارد، تمتلئ الساحة بالأحاديث والضحكات كساحة مدرسة أطلق أطفالها للفسحة، فبين صحفي وشاعر مغمور وطالب لغة أجنبية وموظف انتهى دوامه وحبيب يختلس النظرات من محبوبته... ينشأ المكان بسحر غريب، ما يجذبني للمجيء إلى ذلك المكان، حيث لا يراودني الملل.
يقول ساردي إنها "أتنيه" أو "أتني" (يقصد بها أثينا، لكنها تحوّرت مع مرور الأزمان الطويلة، لتستقر ألسنة الناس علي "أتنيه"). وكانت أثينا هذه، في سابق الأيام، حانة وملهى ليلي. ولكن، في البحث عن مصدر الاسم لغوياً، وجدت أنّ كلمة إثني (عرقي) تنطق بالإسبانية أتنيه بالهاء المطلقة، بالإضافة لـ "بابا كوستا" الذي يبعد قليلاً منه ومسرح النيل الأزرق في الضفة الاخرى للنيل.
مجموعة ملاهي ليلية تزدهى بهن (كانت) ليالي الخرطوم القديمة، خصوصاً في نهاية الأسبوع، تمتلئ بالزبائن وكاسات الكحول... الآن، لا يوجد شيء، يذكر قليلاً من فتات الخبز وبعض أعقاب سجائر الماركات المحلية وأكواب زجاجية صغيرة فارغة ترسم عليها القهوة خراط الكنتور .
الآن، ليس هناك كاسات خمر فارغة، ولا أغاني صاخبة، هو المجتمع نفسه، وإن طرأت عليه تغييرات خارجية في السنوات الأخيرة (سنوات الإنقاذ)، فنحن أمام الملامح والتطلعات والمصطلحات نفسها، فمعظم رواد الساحة ممن يحب المجتمع أن يطلق عليهم لفظ "مثقفاتية"، في تقليلٍ لشأن لمثقف ظهر في نهاية التسعينات، بعد اتساع الهوة بين المواطن الاعتيادي وغيره من الغرباء (المثقفاتية) كما يقولون، وروّجت تلك الحملات بنار السخرية تقليلاً وإبعاداً حتى صارت ألفاظ مثل متفلسف ومثقف، تعني الغبي، ما يتبع إطلاقها شجارات لئيمة.
الخرطوم (داون تاون)، سحرها غريب، فهي تعتبر بوتقة لثقافات عدّة على مرّ العصور، فبين ملامح الترك والشوام الذي سكنوا فيها منذ قرنين، امتداداً لأشكال ولافتات المحلات الانكليزية للعطور والثياب، ذكريات مستعمر قديم بين شرق وغرب من انكلترا نهاية بالهند وغيرها. تجدها في تقليعات وملامح زوّار وتجار، إضافة إلى الملامح الإفريقية التي تملأ محلات الأناتيك بالأبنوس والعاج والطبيعي، ومشغولات السعف اليدوية، كلّ ذلك تمتلئ به أتنيه، فهي ساحة للتسامح بعيداً عن الاعتبارات العرقية والدينية وغيرها من أشكال الخلاف، يأتون إليها عصراً بانتماءاتهم الفكرية والسياسية والدينية والعرقية كافة، فترّحب بهم جميعاً، بما في ذلك الحمام، رسول السلام.
بعد نزول طقس العصر البارد، تمتلئ الساحة بالأحاديث والضحكات كساحة مدرسة أطلق أطفالها للفسحة، فبين صحفي وشاعر مغمور وطالب لغة أجنبية وموظف انتهى دوامه وحبيب يختلس النظرات من محبوبته... ينشأ المكان بسحر غريب، ما يجذبني للمجيء إلى ذلك المكان، حيث لا يراودني الملل.
يقول ساردي إنها "أتنيه" أو "أتني" (يقصد بها أثينا، لكنها تحوّرت مع مرور الأزمان الطويلة، لتستقر ألسنة الناس علي "أتنيه"). وكانت أثينا هذه، في سابق الأيام، حانة وملهى ليلي. ولكن، في البحث عن مصدر الاسم لغوياً، وجدت أنّ كلمة إثني (عرقي) تنطق بالإسبانية أتنيه بالهاء المطلقة، بالإضافة لـ "بابا كوستا" الذي يبعد قليلاً منه ومسرح النيل الأزرق في الضفة الاخرى للنيل.
مجموعة ملاهي ليلية تزدهى بهن (كانت) ليالي الخرطوم القديمة، خصوصاً في نهاية الأسبوع، تمتلئ بالزبائن وكاسات الكحول... الآن، لا يوجد شيء، يذكر قليلاً من فتات الخبز وبعض أعقاب سجائر الماركات المحلية وأكواب زجاجية صغيرة فارغة ترسم عليها القهوة خراط الكنتور .
الآن، ليس هناك كاسات خمر فارغة، ولا أغاني صاخبة، هو المجتمع نفسه، وإن طرأت عليه تغييرات خارجية في السنوات الأخيرة (سنوات الإنقاذ)، فنحن أمام الملامح والتطلعات والمصطلحات نفسها، فمعظم رواد الساحة ممن يحب المجتمع أن يطلق عليهم لفظ "مثقفاتية"، في تقليلٍ لشأن لمثقف ظهر في نهاية التسعينات، بعد اتساع الهوة بين المواطن الاعتيادي وغيره من الغرباء (المثقفاتية) كما يقولون، وروّجت تلك الحملات بنار السخرية تقليلاً وإبعاداً حتى صارت ألفاظ مثل متفلسف ومثقف، تعني الغبي، ما يتبع إطلاقها شجارات لئيمة.
الخرطوم (داون تاون)، سحرها غريب، فهي تعتبر بوتقة لثقافات عدّة على مرّ العصور، فبين ملامح الترك والشوام الذي سكنوا فيها منذ قرنين، امتداداً لأشكال ولافتات المحلات الانكليزية للعطور والثياب، ذكريات مستعمر قديم بين شرق وغرب من انكلترا نهاية بالهند وغيرها. تجدها في تقليعات وملامح زوّار وتجار، إضافة إلى الملامح الإفريقية التي تملأ محلات الأناتيك بالأبنوس والعاج والطبيعي، ومشغولات السعف اليدوية، كلّ ذلك تمتلئ به أتنيه، فهي ساحة للتسامح بعيداً عن الاعتبارات العرقية والدينية وغيرها من أشكال الخلاف، يأتون إليها عصراً بانتماءاتهم الفكرية والسياسية والدينية والعرقية كافة، فترّحب بهم جميعاً، بما في ذلك الحمام، رسول السلام.