فن الماندالا يحتل الخرطوم

27 فبراير 2017
+ الخط -
أمام بائعة الشاي الشعبية، جلسن على الأرض، يرسمن أشكالا غريبة بعض الشيء. على صندوقها الحديد الذي يحوي عدة تحضير الشاي.
هاجر وتسنيم، خريجتان من كلية الفنون الجميلة والتصميم من جامعة السودان، بالفرش والألوان الصغيرة يرسمن ويلوّنّ أينما جلسن، حتى رصيف الشارع الإسمنتي البائس لم ينج من أفعالهن، فبين ساحة "أتنيه" وشارع النيل ومباني اتحاد الكتاب السودانيين، تجد رسوماتهن المميزة برفقة أصدقاء آخرين من طلاب كلية الفنون الجميلة وطالباتها، مطلقين على حملتهم لتلوين الشوارع (ماندالا حول الخرطوم).
الماندالا فن هندوسي قديم، يعني لفظه في اللغة السنسكريتية القرص الذي يرمز إلى الكون وتركز ألوانه وأشكاله على الكون الميتافيزيقي، وكان يرسم على جدران المعابد في التبت بكثرة، قبل أن يتنشر في بقية مدن الهند الأخرى، وهو تشكيل مرئي يمثل الكون غير المتناهي، انتشر في العالم أخيرا، ويعتبره بعض علماء النفس مريحا للعين وللروح ومزيلاً للتوتر، لينصح به لمن يحتاج السكينة والهدوء، ويظهر بذلك شكل آخر لسحر الشرق (الهند) القديم.
جلست بقرب تسنيم، إحدى فنانات المبادرة، وأخبرتني أن "الماندالا رسمٌ مستمد من الأرض، وأول عمل كان بالمصادفة المحضة بأيدي هاجر وأماسي الذين استحسنوا القطعة الإسمنتية التي أمامهم في شارع الستين الذي يشق العاصمة الخرطوم، فحولنه في دقائق إلى عمل فني بأصابع الطباشير، ثم على الرمل المرشوش برذاذ المطر، ومن هنا انطلقت الأعمال في شوارع العاصمة.
يرسمن بهدف تغيير تفكير المجتمع تجاه الفن، فالسودان أكثر ما يحتاج للخروج من الرتابة والألوان الباهتة التي طالت جميع الأشياء، وفق قولهن.
الماندالا فن فريد في تفاصيله ورموزه، وذو مفهوم عميق، ويفعل فعل المغناطيس في تنويم الناس والتنقل بهم إلى عوالم البهجة والسلام الداخلي، وهو جديد على السودانيين الذين لا يعتبرون الفن مجموعة اللوحات التي تعلّق للزينة في المنازل.
أهم المشكلات التي تصادف عملهم أنّ أي نشاط في الشارع العام في السودان يصنّف جريمة، وحتى الأذن القانوني لا يتم بصورة سهلة، إضافة إلى عدم تفهم الناس وقبولهم للفن، خصوصاً بعد معرفة أصوله غير الإسلامية كما يقولون، وهنا تبدأ مرحلة الشرح والتفسير ومحاولة الوصول لمنطقة وسطية تجعل الناس تقبل نشر الفنون على امتداد شوارع العاصمة الخرطوم.
تحلم الفتيات بأن تنتشر الفكرة، وتصل إلى أكبر عدد من الرسامين والمتلقين، ولتنتشر ثقافة الرسم في المجتمع، ويكون الرسم كالقراءة في الأماكن العامة، ولتفتح الفكرة الباب أمام شبابٍ كثيرين يحبون الرسم، ولكن يتعذّر عليهم ممارسته بسبب ضغوط المجتمع والاقتصاد من فوقه. وأخيرا لنشارك ولو قليلا في سحب الشعب السوداني من حالة بؤس أصابته أخيرا.
تركتهم يواصلن عملهن الذي لن يتوقف، حتى يلوّنّ جميع جدران العاصمة الخرطوم، على حدّ قولهن، على الرغم من أنّ الخرطوم مدينة مليئة باضطرابات السياسة ومشكلات المجتمع الكثيرة، ولا زال سكانها يعتبرون الرسم وفنون التلوين مجرّد رفاهية لا ضرورة، لكن الأطفال المشاهدين أعمال الفتيات يبشرون بخرطوم جديدة مليئة بالرسم والموسيقى، وكثير من الأمل.
D959670F-D7EC-45E6-97FE-EEACAEEC691E
D959670F-D7EC-45E6-97FE-EEACAEEC691E
خالد سراج الدين (السودان)
خالد سراج الدين (السودان)