هموم عادية لامرأة من غزة

06 اغسطس 2016
تصوير: مجدي فتحي، 2016
+ الخط -

امرأة موعودة بالألم، امرأة معهودة بالعذاب، امرأة ترى حقوقها أمنيات، وأحلامها ضربا من الخيال، هذا هو حال كل امرأة في غزة، تعيش تحت خط النار، تلهبها العادات بسوطها، ويقيدها المجتمع بمحظور العيب والحرام، وتعيش الخوف من فقدان أطفالها، أو هدم بيتها، أو حتى أن يصبح أطفالها ذات صباح بلا أم بسبب حرب جائرة، أو سطوة زوج.

هي باختصار تعيش كما كل النساء في المجتمعات العربية في مجتمع يكيل بمكيالين، وترزح تحت سلطة الزوج بعد أن تنتقل من سلطة الأب والأخ ، وعليها أن ترضى، وتستسلم لأن لا خيارات أمامها، ولا حلول تحمل أملا بيوم مشرق، ولكن لها خصوصية عن غيرها من النساء فهمومها تزداد كلما اشتدت وطأة الحصار على غزة، وكأن كل ما يعانيه الرجل في غزة يسقطه فوق رأسها ألما وعذابا ويفرغ كل ما يتعرض له من ضغوط نفسية بسبب الفقر والبطالة وانعدام الرؤية نحو أفق حياة جديدة على روحها، والمطلوب منها أن تبقى جمل المحامل حتى النهاية.

عندما تحدثت عن معاناتها كانت تتحدث بلسان غالبية نساء غزة، تحدثت عن والدها الذي أصر على زواجها من ابن عمها رغم أنه لا يحمل شهادة جامعية، وهي تعمل معلمة في إحدى مدارس الأونروا، وكيف رضخت لعرف العائلة لتصبح كل حياتها تنازلات من أجل أطفالها الذين جاءوا إلى الحياة بتشوهات خلقية وإعاقات جسدية لصلة القرابة بينها وبينه، وكيف يقبع هو في البيت ويتسلم راتبها في آخر الشهر وينفقه على علاج أطفالهم وعلى سجائره وملابسه، ولا يمنحها سوى مصروفها الشخصي كأنها طفل صغير، وكيف تعود من العمل لتزاول أعمال البيت من طبخ وغسل وتنظيف في ظل انقطاع الكهرباء، وحرارة الجو صيفا وبرده شتاء.

تحدثت أنها نسيت أنوثتها، وتعتبر أمومتها ناقصة فهي كانت تتمنى لو أن أطفالها أصحاء، وان طفلتها خصوصا تستطيع أن تلهو وتلعب مثل باقي البنات، فهي بالذات تقطع نياط قلبها لأن مستقبلا أسود ينتظرها، والأدهى أن زوجها يلوح بالزواج من أخرى وكأنها المسؤولة الوحيدة عن إعاقة وتخلف أطفالهما.

أما الأخرى فحكايتها لا تختلف كثيرا، فلا مهمة لها سوى أن تحمل أوراق العائلة الثبوتية ومنها " كرت المؤن" وصورة عن بطاقة هويتها لتثبت للمؤسسات الإغاثية والجمعيات الخيرية أن زوجها بلا عمل بعد أن فقد عمله داخل الخط الأخضر بسبب الحصار على غزة، وبأن لديها عشرة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، وأن دخل العائلة صفر، وبيتها متصدع الجدران، مثقوب السقف تغرقه مياه الأمطار كل شتاء.

الثالثة تمنت لو لحقت بزوجها الشهيد والذي تركها مع طفليها قبل عامين وأرغمت على الزواج من شقيق زوجها من أجل الطفلين، فلا أهلها رحبوا باستقبالها بينهم معهما، ولا عائلة الزوج قبلت بأن تتزوج بآخر وتحتفظ بحضانة فلذتي كبدها، ولا المجتمع قبل أن تبقى بلا زواج، فالأرملة في نظرهم قنبلة موقوتة، فبكت وهي تقول:

تخيلي كيف ترتبطين برجل يصغرك عمراً ولم يسبق له الزواج وكنت تعتبرينه مثل شقيقك الأصغر، وفجأة يصبح زوجك فلا لغة بينكما، ولا مشاعر تربطكما، وشبح الزوج الراحل ينام بينكما كل ليلة، لا أحد يشعر بهذا العذاب؟ ولا أحد يسمع صوت الصمت؟

أما هذه فلا تشكو إلا من المواعيد المؤجلة فتقول وهي تزفر حزنها وتتخلى عن حذرها وتجتاز المحظور في الحديث: حتى قرار وموعد ممارسة الحب مع زوجي ليس بيدي، انه بيد الكهرباء غير المتوفرة والمياه المقطوعة، والأعصاب المضغوطة، لم أعد أشعر بالراحة ولا بهدوء البال وأصبح كل شيء مرهوناً بجدول وصل الكهرباء لساعات قليلة، وفي أيام الحرب الأخيرة أصبحنا جميعاً ننام في غرفة واحدة لكي نموت معاً، افتقدت لمسة يد زوجي وحضنه الدافئ وأنا التي حاربت الدنيا لترتبط به، والآن وبعد مرور عامين على الحرب الأخيرة أصبحت أخاف أن يغلق باب غرفتنا علينا دون أطفالنا، فالقصف والقذائف لا يتحليان بفضيلة الانتقاء وأخشى أن تخطئ القذيفة غرفتي فتصيب غرفة أطفالي أو يقرر صاروخ غادر أن يصيبني مع زوجي في فراشنا ويترك أطفالنا للضياع من بعدنا.

(كاتبة من غزة)