البرلمان العراقي أمام اختبار تمرير قانون الانتخابات الجديد وسط خلافات حادة

18 ديسمبر 2019
خلافات أجلت التصويت عليه الأسبوع الماضي (حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -

يطرح البرلمان العراقي في جلسة مقررة بالساعة الرابعة من عصر اليوم قانون الانتخابات الجديد للتصويت، وذلك بعد أكثر من أسبوع على تأجيل التصويت عليه بسبب خلافات حادة بين القوى السياسية التي حاولت إضافة أو تعديل بعض فقراته، بما تراه يضمن مستقبلاً سياسياً لها في الانتخابات المقبلة على أقل تقدير.

وعلى خلفية انتفاضة العراقيين التي انطلقت في بغداد ومدن الوسط والجنوب في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما تزال مستمرة لغاية الآن، مع سقوط أكثر من 500 متظاهر بنيران قوات الأمن والمليشيات وجرح قرابة 21 ألف عراقي، واختطاف العشرات، رضخت القوى السياسية في البلاد لمطالب عدة رفعها المتظاهرون ومن بينها قانون انتخابات جديد، يمنح من خلاله مشاركة أحزاب جديدة وشخصيات شعبية ينتخبها العراقيون، تُخفف من سيطرة الأحزاب الحاكمة بنسبة كبيرة.

وبالرغم من أن مجلس النواب حدد موعداً سابقاً لجلسة يصوّت فيها على قانون الانتخابات الجديد، وسط اعتراض من كتلة "سائرون"، إلا أنها فشلت قبل انعقادها بسبب الخلافات على المادة 15 من المادة وطريقة توزيع المقاعد، التي يراها مراقبون أنها ستكون الضربة القاضية بالنسبة للأحزاب المتنفذة في المنطقة الخضراء ببغداد، وتسيطر على مؤسسات ووزارات الحكومة العراقية منذ عام 2005 وإلى الآن.


ومن أبرز نقاط الخلاف على القانون مسألة الدائرة الواحدة أو الدوائر الانتخابية المتعددة وآلية فوز المرشح حيث تصر قوى سياسية عدة على أن يكون 50 بالمائة وفقا لقاسم انتخابي معين محصور بالقوى السياسية والأحزاب، والخمسين بالمائة الأخرى تكون لأعلى الأصوات وهي للمستقلين، الأمر الذي اعتبره المتظاهرون التفافا على القانون ومحاولة من الأحزاب الخروج بأقل الأضرار من القانون الذي صيغ على وقع قنابل الغاز والرصاص الحي في شوارع بغداد والجنوب، وفقا للناشطين العراقيين الذين يترقبون جلسة الأربعاء وما ستسفر عنه في البرلمان.

وحتى الآن تمتنع رئاسة البرلمان عن نشر مسودة القانون المقرر التصويت عليه اليوم بنسخته النهائية، إلا أن مصادر برلمانية عراقية في بغداد كشفت لـ"العربي الجديد"، أن مسودة القانون الجديد الذي سيطرح للتصويت اعتمدت حتى مساء أمس الثلاثاء الفائز للأعلى أصواتا بدون أي إضافات.


ووفقاً للمصادر ذاتها فإن القانون إن مرر بهذه الصيغة فإنه سيعد أهم مكسب للتظاهرات العراقية، ويعتبر إيذانا بانتهاء حقبة القوانين على مقاس الأحزاب ومنها قانون الانتخابات وقانون مفوضية الانتخابات أيضا.

وبينت أن المباحثات حسمت أيضاً لصالح الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة، وكل دائرة يجب ألا يقل عدد سكانها عن 100 ألف نسمة، وهو ما سيتطلب في حال التصويت عليها وإقرارها استعدادات إضافية تتعلق بمراكز ومحطات الاقتراع والمراقبين وموظفي الاقتراع وحتى الجانب الأمني لتأمين سير عملية الاقتراع أيضاً.

في السياق، قال عضو تحالف "سائرون" غايب العميري لـ"العربي الجديد"، إن "المتظاهرين في ساحة التحرير والساحات المنتشرة في عموم البلاد، يرفضون أي مشاركة جديدة للأحزاب السياسية التي تحكمت بالسلطة والشخصيات المتورطة بالفساد والدماء، وهذا لا يتم إلا من خلال قانون انتخابات جديد يدعم ترشيح الشخصيات الوطنية المستقلة، مع إمكانية ولادة أحزاب وكيانات جديدة شبابية تدخل عالم السياسة".

واستدرك العميري بالقول إن "الكتل الكبيرة التي تنعم بالوزارات والمؤسسات الحكومية ذات الموارد المالية الضخمة تمنع أي تغيير أو تعديل في قانون الانتخابات، لأنها تعرف أن نهايتها ستكون قريبة".


ولفت إلى أن "تحالف سائرون والقوى الوطنية والجماهير الثائرة في ساحات العراق، يقفون بالضد من أي عودة إلى الماضي، كما أننا سنمنع تسلط الفاسدين من جديد، سواء على مستوى اختيار رئيس الوزراء الجديد وحكومته، أو من خلال العودة إلى تأسيس كتل وكيانات تعبث بأموال العراقيين وتسيطر عليها"، مشيراً إلى أن "مقتدى الصدر ومرجعية النجف (علي السيستاني) مع التصويت على قانون يؤمن بالتغيير والإصلاح وفوز شخصيات جديدة تعيش وتوالي العراق ولا تعمل لصالح دول إقليمية وأجنبية".

وبحسب الناشط السياسي والمعتصم في ساحة التحرير ببغداد، أيهم رشاد، فإن "كتلا برلمانية مثل ائتلاف دولة القانون والفتح وأخرى سنية وكردية، لا تريد اعتماد القانون الجديد الذي تطالب به الجماهير المنتفضة، لأنها تُضعف حظوظها المستقبلية بالفوز".

وأوضح في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "الخلاف حالياً على الدوائر المتعددة، التي تشير إلى أن كل منطقة أو حي يكون عبارة عن دائرة انتخابية واحدة، يرشح من خلالها أبنائها للانتخابات، وبالتالي هي تضمن فوز الممثلين الحقيقيين عن المناطق العراقية، وهو ما يعمل على تحقيقه الصدريون والمتظاهرون، ويحظى بقبول ومباركة مرجعية النجف".

وأضاف أن "بعض الكيانات السياسية تعمل على الالتفاف على هذه الفقرة وتشريع مادة تتضمن أن تكون أكثر من منطقة ضمن دائرة انتخابية واحدة، وهذه الفقرة تريدها الأحزاب التي تمتلك المال السياسي، كما أنها تخدم الأحزاب الكبيرة التي سيطرت على الحكم في البلاد، فهي ستستفيد منها حتى مع اللجوء إلى تقليل عدد أعضاء مجلس النواب لأنها ستعتمد على طريقة الفائز بأعلى الأصوات وبالتالي سيربح في الانتخابات شيوخ ووجهاء العشائر والتجار والسياسيون القدامى، وهذا يعني أن الوضع سيبقى على ما هو عليه".

من جانبه، أشار رئيس حركة "كفى" السياسية رحيم الدراجي، إلى أن "بعض القوى السياسية تلعب على الحبلين، يعني أنها في الإعلام تتحدث عن مساندتها مطالب المتظاهرين وضرورة إقرار قانون انتخابات جديد يلائم طموح الشباب، وفي السر ترفض كل التعديلات التي من المفترض أن تخدم مطالب المحتجين"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "طموح بعض الكتل، وتحديداً المعترضة على تغيير قانون الانتخابات، هو أن يكون القانون الجديد منصفا بالنسبة لاعتماد الدوائر الانتخابية، بمعنى أن تكون نصف مواده في صالح الكتل والأخرى من صالح القوائم الفردية التي قد تشارك بها أحزاب جديدة تولد من داخل الاحتجاجات، فضلاً عن الحركات المدنية والعلمانية الأخرى".

يحدث هذا في الوقت الذي تختلف فيه القوى السياسية على ملف آخر، وهو مفوضية الانتخابات المسؤولة عن الإشراف وإدارة العملية الانتخابية، إذ تسعى الأحزاب الكبرى للسيطرة على مجلس المفوضين عبر اختيار أعضائه بالطريقة نفسها التي يتم بها اختيار الوزراء والسفراء، وهي "المحاصصة".

وكان رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي قد أكد في جلسة عُقدت مطلع الشهر الجاري، أن أعضاء المفوضية سيكونون من القضاة وسيُختارون وفق نظام "القرعة"، وهو ما أدخل الأحزاب بأزمة جديدة، قد لا تنتهي على خير، لأنه يضرب مصالح الكيانات التي ترجو الانتفاع من المفوضية والتلاعب بالنتائج.