16 نوفمبر 2024
هل يكون استفتاء الخريف ربيع الأكراد؟
يستعد الأكراد في إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء بشأن الاستقلال مع بداية الخريف المقبل. والاستقلال المقصود هو للإقليم الذي يقع، حتى الآن، ضمن حدود العراق الدولية. وقد ورد، في بيان لرئاسة إقليم كردستان قبل أيام، أنه "تم تحديد يوم 25 سبتمبر/ أيلول 2017 يوم إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم". ولا يبدو هذا الحدث المنتظر على درجة كبيرة من المفاجأة، إذ سبق لرئاسة الإقليم أن لوّحت مرارا بالسير على طريق الاستقلال، وعُقدت مؤتمرات في إقليم كردستان، ضمت ممثلين للأكراد في سورية وتركيا وإيران والعراق، عكست التوافق الكردي على إعلان الاستقلال، عبر استفتاء شعبي. وحسب إعلان الرئاسة، فإن الأكراد المقيمين خارج إدارة الإقليم سيقترعون على الاستفتاء، والمقصود أكراد كركوك "المتنازع عليها". وعلى الرغم من رفض الحكومة المركزية في بغداد هذا التوجه، فإن إقليم كردستان، بزعامة مسعود البرازاني، يبدو ماضيا على هذا الطريق، وذلك بعد نحو 26 عاما، تمتع فيها الإقليم بحكم ذاتي موسع، وباستقلالية القرار السياسي عن بغداد، محتفظا، في الوقت نفسه، بحصته في المحاصصة القائمة لدى مستويات الحكم العليا في بغداد، وحيث ذهبت حصة رئاسة جمهورية العراق إلى الأكراد (الرئيس الحالي فؤاد معصوم وقبله جلال الطالباني)، إضافة إلى وزراء بينهم وزير المالية الحالي، هوشيار زيباري، الذي سبق أن تقلد وزارة الخارجية. كما يتمتع الإقليم بحصته من عائدات النفط العراقي، إضافة إلى تمكّنه من ضخ النفط لحساب ميزانية الإقليم عبر ميناء جيهان التركي. وزار زعماء دول أربيل من دون المرور على العاصمة بغداد.
على مدى سنوات الأزمة العراقية، منذ العام 2003، بدا إقليم كردستان الأفضل حالا،
وبصورة نسبية، لدى مقارنته بأوضاع بقية المحافظات، فالإقليم لم يشهد صراعات طائفية، وعانى أقل من التفجيرات الإرهابية، حتى أن كثرة من العراقيين نزحوا إلى الإقليم وأقاموا فيه، كما اجتذب الإقليم استثمارات داخلية وخارجية، ما جعله الوجهة الأفضل داخل العراق للإقامة والاستثمار. وخلال هذه السنوات، نسج الإقليم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية. وقد لعب أكراد المهجر دورا في تحسين صورة الإقليم "الساعي إلى تقرير المصير". كما نجحت قيادة الإقليم، على الرغم من التنازع شبه الدائم بينها وبين حزب جلال الطالباني في نسج علاقاتٍ مع دول الجوار، وبالذات تركيا وإيران، وإن شابت هذه العلاقات توترات عديدة، أمكن احتواؤها، في معظم الحالات، بأقل قدر من الخسائر. بالنسبة لإيران، جرى طمأنتها بأن التنظيمات السلفية لا يسمح لها بالعمل، كما لا تستضيف أربيل أكرادا إيرانيين معارضين. وبخصوص تركيا، نجحت قيادة الإقليم في وضع مسافة بينها وبين حزب العمال الكردستاني في تركيا، وغضت النظر مرارا عن غاراتٍ جوية تركية، استهدفت تموضعات لمقاتلي حزب العمال في الإقليم. وأطلق البرازاني تصريحاتٍ عدة، يفهم منها عدم تحبيذ العمل المسلح ضد تركيا، ودعوة أكراد تركيا إلى حلول سلمية. وفي ما يخص أكراد سورية، بدت قيادة الإقليم أقرب إلى المعارضة السورية، واستقبلت بعض زعمائها، ولكن من دون اصطفاف واضح، وذلك بخلاف وضع قوات الحركة الكردية في سورية التي اصطفت مع النظام هناك.
ونال الأكراد سمعة دولية جيدة في تصديهم لتنظيم داعش في كركوك، وجزئياً في الموصل. كما احتسب قتال الأكراد ضد "داعش" في عين العرب (كوباني)، وحاليا في الرقة، رصيداً سياسياً في حساب الحركة الكردية، على الرغم من التباينات والتعارضات بين أكراد سورية والعراق.
على هذا النحو، جمعت الحركة الكردية على مدى 26 عاما جملةً من المكاسب السياسية والاقتصادية والكيانية، فيما كان العراق (الدولة الأم) ينتقل من أزمة عميقة إلى أخرى، عنوانها اضطراب حبل الأمن والتفجيرات الإرهابية ونفوذ المليشيات، ومضمونها العجز المتمادي عن بناء دولة وطنية مستقلة قائمة على الشراكة والكفاءة، يحكمها القانون، ويتساوى فيها المواطنون، إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه من تبديدٍ للثروة الوطنية واللجوء إلى الاقتراض، ومن تمزيق لرابطة المواطنة تحت ضغط التغليب الطائفي، ومن تسيّد للمليشيات ومشاركتها المباشرة في الحكم، ومن تبعية لإيران، حتى أن هذا التبعية باتت قرينةً للوطنية الجديدة، وشرطاً شارطاً لها.. والآن، إذ يرفض الحكم في بغداد التوجهات الاستقلالية/ الانفصالية الكردية، ولهذا الرفض بعض الوجاهة، إلا أن واقع الحال يثبت أنه ليس لدى العراق دولة تجذب إليها سائر مكونات العراقيين الاجتماعية والدينية والعرقية بمن فيهم الأكراد. ولن تبدو النقمة على الأكراد، في حال ساروا بمخطط الاستفتاء، واختاروا كما هو متوقع ومرجّح الاستقلال، سوى ضرب من ضروب النزاعات الأهلية والمناطقية المتفشية في هذا البلد، بأكثر مما هي دفاع عن سيادة البلد ووحدته الترابية.
وبالنظر إلى العلاقات التي ينسجها إقليم كردستان مع عدد كبير من دول المنطقة والعالم،
فسوف يُنظر، وفي أضعف الحالات، إلى الكيان الجديد إذا ما استكمل شروط قيامه، على أنه أمرٌ واقع، وسوف يتم التعامل معه واقعيا على هذا الأساس، إن لم تعمد دول أوروبية إلى الاعتراف الكامل بدولةٍ مستقلة للأكراد. وفي الحالة هذه، سوف تكون الدولة هي الثانية التي تبزغ في المنطقة العربية منسلخة عن الدولة الأم، وذلك بعد نموذج دولة جنوب السودان في يوليو/ تموز من العام 2011، وحيث شارك الرئيس السوداني، عمر البشير، بنفسه في مراسم الاحتفال، بقيام هذه الدولة في عاصمتها جوبا، وقدمت هذه الدولة نموذجا بائسا في إدارة دفة الحكم، ولم تستلهم من تاريخ جنوب السودان إلا الصراع الأهلي والمناطقي الذي تجدد صراعاً على السلطة بعد قيام هذه الدولة، واستنزف مواردها وشوّه صورتها، ولم يحُل مشكلات السودانيين الجنوبيين الاقتصادية والاجتماعية. وواقع الحال يشي أن إقليم كردستان سوف يكون أفضل حظاً، وقد يتمكن من جعل استفتاء الخريف بداية ربيع سياسي وقومي، خصوصا إذا ما تم التقريب بين الأجسام الحزبية الكردية في الفترة المتبقية على الاستفتاء، وإذا ما أثبتت القيادة الكردية احترامها الروابط التاريخية التي جمعتها بدولة العراق، وبمختلف المكونات العراقية.
على مدى سنوات الأزمة العراقية، منذ العام 2003، بدا إقليم كردستان الأفضل حالا،
ونال الأكراد سمعة دولية جيدة في تصديهم لتنظيم داعش في كركوك، وجزئياً في الموصل. كما احتسب قتال الأكراد ضد "داعش" في عين العرب (كوباني)، وحاليا في الرقة، رصيداً سياسياً في حساب الحركة الكردية، على الرغم من التباينات والتعارضات بين أكراد سورية والعراق.
على هذا النحو، جمعت الحركة الكردية على مدى 26 عاما جملةً من المكاسب السياسية والاقتصادية والكيانية، فيما كان العراق (الدولة الأم) ينتقل من أزمة عميقة إلى أخرى، عنوانها اضطراب حبل الأمن والتفجيرات الإرهابية ونفوذ المليشيات، ومضمونها العجز المتمادي عن بناء دولة وطنية مستقلة قائمة على الشراكة والكفاءة، يحكمها القانون، ويتساوى فيها المواطنون، إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه من تبديدٍ للثروة الوطنية واللجوء إلى الاقتراض، ومن تمزيق لرابطة المواطنة تحت ضغط التغليب الطائفي، ومن تسيّد للمليشيات ومشاركتها المباشرة في الحكم، ومن تبعية لإيران، حتى أن هذا التبعية باتت قرينةً للوطنية الجديدة، وشرطاً شارطاً لها.. والآن، إذ يرفض الحكم في بغداد التوجهات الاستقلالية/ الانفصالية الكردية، ولهذا الرفض بعض الوجاهة، إلا أن واقع الحال يثبت أنه ليس لدى العراق دولة تجذب إليها سائر مكونات العراقيين الاجتماعية والدينية والعرقية بمن فيهم الأكراد. ولن تبدو النقمة على الأكراد، في حال ساروا بمخطط الاستفتاء، واختاروا كما هو متوقع ومرجّح الاستقلال، سوى ضرب من ضروب النزاعات الأهلية والمناطقية المتفشية في هذا البلد، بأكثر مما هي دفاع عن سيادة البلد ووحدته الترابية.
وبالنظر إلى العلاقات التي ينسجها إقليم كردستان مع عدد كبير من دول المنطقة والعالم،