هل يغادر ترامب منصبه إذا خسر؟

01 ديسمبر 2019
+ الخط -
لو كنتُ بين مستشاري الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لنصحته بأن يتعلّم من حال صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، فهنالك ثلاثة دروس يمكن له أن يستفيد فيها من نتنياهو. 
الدرس الأول، المبالغة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. خلال الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، كنتَ تجد نتنياهو في كل مكان على "تويتر" و"فيسبوك" وشاشات التلفزيون، بينما كان منافسه الرئيسي بيني غانتس مقتصدا في الظهور، وفي استخدام وسائل الإعلام. وكانت النتيجة أن الإسرائيليين سئموا من استهلاك نتنياهو نفسه، وفضّلوا عليه خصمه المقتصد في الظهور والدعاية.
الدرس الثاني يتعلق بالعنصرية. لقد أسرف نتنياهو في استخدام العبارات والتلميحات العنصرية، ليس فقط ضدّ الفلسطينيين، ولكن ضد من يسميهم عرب إسرائيل أيضا، في محاولةٍ منه لحثّ قاعدته المتعصبة على التصويت. وكانت النتيجة أن وقاحته العنصرية استفزّت هؤلاء العرب، فأقدموا على التصويت بنسبة غير مسبوقة، ما جعل الكتلة العربية تغدو القوة الثالثة في الكنيست الإسرائيلية لأول مرة.
والدرس الثالث هجوم نتنياهو على الإعلام، وبعض مؤسسات الحكومة الإسرائيلية، كالشرطة والقضاء. وقد ساء هذا السلوك التقسيمي جمهرة من الإسرائيليين، بينهم بعض من صوّت في 
السابق له، والذين باتوا يخافون من أن تؤدي سياسة نتنياهو إلى شرخٍ عميقٍ يصعب رأبه في الدولة والمجتمع، فنقلوا أصواتهم لصالح غانتس. لا ينبغي على الرئيس الاستهانة بمؤسسات دولته، خصوصا إذا كان لديه سجلّ من الفساد. قبل أيام، قرّر المدعي العام الإسرائيلي توجيه اتهاماتٍ تتعلق بالفساد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتتضمن تهما تتعلق بتلقي رشى والاحتيال وخيانة الأمانة. وصحيحٌ أن فساد المسكين نتنياهو يُعتبر لعب أطفال بمقاييس فساد مسؤولين صغار في دول أخرى، إلا أن الرجل سيواجه الآن محاكمةً قد تكون القاضية على مستقبله السياسي. وبالفعل، سجل نتنياهو سابقة خطيرة بأن كان أول رئيس توجه له اتهامات تتعلّق بالرشوة والفساد وهو في الحكم، فسلفه إيهود أولمرت استقال قبل أن توجه التهمة له رسميا، وقبل أن يدخل السجن.
الدرس الأخير، بخاصة، مهمّ للرئيس ترامب الآن، وهو يواجه حملة قوية من مجلس النوّاب الأميركي، لإدانته بتهمة إساءة استخدام منصبه لتحقيق غايات سياسية ضدّ خصمه المحتمل في انتخابات الرئاسة في العام المقبل. وقد تجلّى ذلك في علاقته مع الروس، ثم من محاولاته إفساد زعماء آخرين، كفضيحة مكالمته الهاتفية مع رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلنسكي، والتي قد تكون "ووترغيت" الخاصّة به.
ومع ذلك، لا أحسب أن ترامب يمكنه التعلّم من أي تجربة أو درس، فهو يعتقد أنه أذكى وأعمق وأكثر درايةً من كل من حوله، وفي كل مجال، فهو أذكى من خصومه، ويعرف عن تنظيم داعش "أكثر من الجنرالات أنفسهم"، ويعرف عن القضاء أكثر "من أي كائنٍ بشري على البسيطة"، ولا أحد يعرف عن العمل الحكومي والطاقة والتجارة والمناخ أكثر مما يعرفه هو.
من الصعب، والحالُ كذلك، أن يستفيد ترامب من دروس الآخرين، وأغلب الظن أنه سيصرّ على إسرافه في التغريد، وفي استخدام التعابير والتلميحات والإجراءات العنصرية ضد المهاجرين والملونين والمسلمين، ما سيجعل الأميركيين البيض أنفسهم يسأمون من عنصريته، ومن مغالاته في التباهي، وفي الثقة المفرطة بالنفس، وبقاعدته الاجتماعية التي تتراوح بين 35% و40%، كما أن الأميركيين الآخرين من غير البيض، والذين لا يشاركون بحماس في الانتخابات عموما سيغيرون سلوكهم هذه المرة، وينزلون بثقل أكبر إلى صناديق الانتخابات. ولعل الانتخابات النصفية في 2018، والفوز الذي حقّقه الديمقراطيون قبل أسابيع في ميرلاند وفيرجينيا، أن تكون مؤشّرا إلى هذا الاتجاه.
ولكن ترامب باق ويتمدّد. يهيئ نفسه لانتخابات 2020، وقد امتدح الرئيس الصيني شي جين بينغ عندما عدّل الأخير الدستور الصيني ليبقى رئيسا إلى الأبد، قائلا: "هو رئيس للأبد. انظروا إلى ما في وسعه إنجازه. أعتقد أن هذا أمر عظيم، وربما سنضطر يوما إلى تجريب ذلك أيضا". وفي تغريدةٍ أخرى، ألمح إلى إمكانية أن يطلب منه الشعب البقاء في الحكم، بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية المحتملة.
حين رشّح ترامب نفسه للرئاسة أول مرة في 2015، كان الرأي السائد لدى المعلّقين أنه ليس لدى ترامب أي فرصة للفوز. وجاءت افتتاحيات "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" وقتها كالتالي: "لا، دونالد ترامب لن يفوز" (دافيد بروكس، نيويورك تايمز 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، و"إن فاز دونالد ترامب سآكل هذا العمود" (دانا ميلباند 2 أكتوبر/تشرين الأول 2015). ترامب فاز، ولم يأكل ميلباند عموده.
ليلة الانتخابات في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت كلّ استطلاعات الرأي تؤكّد أن ترامب 
سيخسر، وأن المرشّحة عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، هي الفائزة بكل تأكيد. صباح اليوم التالي، تمّ إعلان النتائج: دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وقع الخبر كالصاعقة على غالبية الأميركيين ومعظم الدول، فالرجل شبه أمي في السياسة، وغير مؤهّل أخلاقيا ونفسيا للمنصب. يكره النساء والملوّنين، ويعتقد أن كلّ امرأة موضوع جنسي، ينتشي بالسلطة المطلقة، غازل كلّ طغاة العالم وعادى حلفاءه في أوروبا واليابان، بدأ حربا تجارية مجنونة مع الصين، طرد معظم مساعديه أو أنهم لم يتحمّلوه فهجروه: وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس؛ ملهمه ومستشاره ستيف بانون؛ ثلاثة مستشارين للأمن القومي، آخرهم جون بولتون؛ رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي ونائبه ماكيب؛ مديران لمكتب التواصل والإعلان، أحدهما، أنثوني سكاراموتشي، بقي أحد عشر يوما فقط. ثلاثة فقط بقوا في مناصبهم: نائب الرئيس الذي لا حول له ولا قوّة، مايك بنس؛ ومستشارته القانونية كيليان كونواي؛ ومستشاره السياسي ستيفن ميللر، والذي يفوق ترامب شرا وخبثا، والذي يبدو أنه من يرسم سياسات الرئيس الأكثر عنصرية.
ومع ذلك، ليست غاية ترامب الأخيرة، في نهاية المطاف، هي السلطة. غايته تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب خلال سنوات رئاسته الأربع، وإن استطاع تمديدها لولاية ثانية فسيحقق فوائد أكبر. هنالك نظرية تنتشر الآن في الولايات المتحدة، مفادها بأن ترامب قد لا يقبل نتائج الانتخابات في حال خسارته، وأنه قد لا يغادر البيت الأبيض، ما سيُحدث أزمة دستورية. وثمّة من يكتب دراساتٍ تقارن بين صعود ترامب وصعود كل من هتلر وموسوليني وستالين في النصف الأول من القرن الفائت. أعتقد أن في ذلك خطأ في قراءة التاريخ، وفي قراءة شخصية ترامب، وشخصيات كل من هؤلاء الطغاة الثلاثة الذين كانوا يهتمون ببلادهم لا بأنفسهم (أجلْ وفق رؤيتهم ودكتاتوريتهم وفاشيتهم)، ولكنهم لم يراكموا الثروات، ولم تستفد عائلاتهم من مناصبهم. أما ترامب فلا يأبه سوى بشيء واحد: تحقيق مكاسب أكبر في فترة أقلّ. وحين سيأتي الخريف، ويصوّت الأميركيون لإخراجه من البيت الأبيض، فسوف يغادر منصبه إلى مملكته الخاصة في فلوريدا، وهو سعيد بما كسب.
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح