النزاع حول حق استغلال حقوق الغاز والنفط يتقاطع مع توترات سياسية بين الدول المتنازعة بالأساس ليزيد من حالة التوتر القائمة في المنطقة، وربما يفسر بعض التحركات الإقليمية الأخيرة.
يجمع مثلث اتفاق الغاز بين إسرائيل وقبرص واليونان وضمنياً مصر كشريك رابع يواجهه تحالف آخر لم يتبلور تشكيله بعد لظروف سياسية تتعلق بدوله، وإن كانت المصلحة تجمع بين أطرافه؛ فتركيا لم تدخل رسمياً بعد مجال إنتاج النفط والغاز، وإن كانت تستهدف أن تتحول إلى مركز عالمي للطاقة مستقبلا كان يقوم في جزء منه على أن تكون محور ارتكاز لنقل الطاقة من الأماكن المنتجة، خاصة في روسيا وكازاخستان لنقلها إلى أوروبا عبر مشروع "السيل التركي" وغيره من المشروعات المطروحة.
ورغم عدم دخول تركيا مجال الإنتاج النفطي، إلا أنه من مصلحتها أن تدخل هذا المجال، حسب مراقبين، خصوصاً إذا كان موجودا في مياهها الاقتصادية؛ فيحولها من دولة مستوردة أو مركز توزيع إلى دولة منتجة أيضاً، مما يعزّز من مكانتها المستهدفة كمركز للطاقة العالمية، وكذلك من مكانتها الاقتصادية التي تترسخ يوما بعد يوم.
أيضا هناك ثلاثة أطراف مهمة في هذا التحالف غير المعلن بعد، وهي:
• سورية التي تواجه حربا داخلية منذ عام 2011 أثرت كثيرا على إنتاجها من النفط والغاز من حقول النفط البرية، فضلا عن فرض قيود على تحركها في الإطار الإقليمي لحماية حقول النفط والغاز البحر في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها، كما أن تراجع علاقات نظام بشار الأسد مع تركيا يقيد من التحالف معها؛ فضلاً عن كون عدائها مع إسرائيل يمنع الدخول معها في تحالفها القائم مع قبرص واليونان. وفي كل الأحوال، فإن من مصلحة سورية الإسراع بحماية حقوقها من ثروات المتوسط، سواء عبر الدخول في تحالفات أو توقيع اتفاقيات لرسم الحدود البحرية مع تركيا وقبرص.
• السلطة الفلسطينية: حيث تقوم إسرائيل باستغلال حقول النفط والغاز البحرية الواقعة في حدود المنطقة الاقتصادية لقطاع غزة مستفيدة بذلك من الانقسام الفلسطيني الحالي والضغط الشديد الذي يتعرض له القطاع جراء الحصار المفروض عليه وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة إسرائيل حتى الآن للمطالبة بالحقوق الفلسطينية في ثروات شرق المتوسط.
• لبنان: والتي توحي التحركات السياسية والاقتصادية الأخيرة أن البلاد لن تتراجع عن حماية حقوقها في ثروات شرق البحر المتوسط، بل والبدء في حصاد ذلك سريعا، حيث قام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بزيارة تركيا نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي في زيارة لم يعلن عن تفاصيل، تزامنت مع تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي للبنان عقب الإعلان عن الاستثمار النفطي في المنطقة البحرية "بلوك 9" المتنازع عليها مع إسرائيل، وفي إشارة إلى تقارب تركي لبناني بشأن الغاز مقابل التحالف الرباعي بين إسرائيل وقبرص واليونان ومصر.
أما وزارة الطاقة اللبنانية فوقعت الجمعة الماضية على أول اتفاقات التنقيب والإنتاج للنفط والغاز البحريين في منطقتي امتياز يقع جزء من إحداهما في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل. وقال وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل إن النزاع مع إسرائيل لن يمنع لبنان من الاستفادة من الاحتياطيات المحتملة تحت البحر في منطقة الامتياز 9 محل النزاع، بينما قالت شركة توتال الفرنسية إنها ستحفر أول بئر في الامتياز قرب المنطقة المتنازع عليها.
ووقع كونسورتيوم يضم توتال الفرنسية (40%) وإيني الإيطالية (40%) ونوفاتك الروسية (20%) اتفاقيتين لمنطقتي الامتياز، وهما من بين خمس مناطق طرحها لبنان في أول جولة تراخيص تأخرت كثيرا. وهو ما رد عليه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خلال مؤتمر حول الأمن في تل أبيب بالتهديد علنا بقوله: "عندما يطرحون عطاء يخص حقلا للغاز يشمل الامتياز 9 الذي هو ملك لنا بكل المقاييس... فإن هذا يمثل تحديا سافرا وسلوكا استفزازيا هنا".
ويتوقع في هذا الإطار أن تكون هناك وساطة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون أثناء زيارته المنتظرة للبنان خلال الأيام المقبلة.
قبرص وإسرائيل
ويدور محور النزاع الحالي حول الإسراع القبرصي والإسرائيلي في التنقيب واستغلال النفط والغاز من حقول شرق المتوسط رغم وجود اعتراضات من باقي الدول عدا مصر التي قامت بتوقيع اتفاق لترسيم الحدود مع قبرص قامت بمقتضاها بالتنقيب ثم الإعلان عن اكتشاف الغاز في حقل ظهر باحتياطات غاز ضخمة، كما من المتوقع أن تقوم مصر بتوقيع اتفاق نهائي لترسيم الحدود مع اليونان، فضلا عما يثار حول تنازل مصري عن حقوقها في حقل هو ليفاثيان، الذي شرعت إسرائيل في إنتاج الغاز منه مؤخرا، والذي تقدر احتياطاته بحوالي 18 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
كما قامت قبرص بتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان عام 2007 ويدور النزاع فعليا في الوقت الحاضر بين لبنان وإسرائيل من جهة حول غاز "بلوك 9"، الذي طرحته لبنان للاستثمار في التنقيب عن الغاز فيه، وبين قبرص وتركيا حول حقوق تركيا في الغاز من منطقتها الاقتصادية المشتركة مع قبرص واليونان.
الأمر الذي يفسر تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على اتفاق تقسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، حيث اتهم جاويش أوغلو القبارصة اليونانيين بالقيام "بشكل أحادي بأنشطة للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط"، وهو ما ردت عليه مصر بحقها في حماية مصالحها الاقتصادية. وحذّرت الخارجية المصرية من أي "محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة، وأنها تعتبر مرفوضة وسيتم التصدي لها".
استفادة أوروبية
تخدم اكتشافات الغاز الأخيرة في شرق البحر المتوسط في أحد أوجهها القارة الأوروبية التي ما زالت تعتمد إلى حد كبير في وارداتها من الغاز على روسيا التي يفرض عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فعليا عقوبات اقتصادية منذ أزمة جزيرة القرم، ومن ثم فإن البديل المطروح عليها كان الغاز الأميركي بتكلفته الأعلى أو أن يأتي الحل من الجنوب الشرقي عبر اكتشافات الغاز الأخيرة في شرق المتوسط، حيث سيكون في كل الأحوال الأقرب إلى أوروبا.
هذه المصلحة الأوروبية عبّر عنها رئيس شركة "إيني" إحدى الشركات الكبرى العاملة في مجالات الاكتشافات الأخيرة، خصوصاً في قبرص ومصر ولبنان، كلاوديو ديسكالزي، بتأكيده أن "مشاريع الغاز في دول شرق البحر المتوسط مثل مصر وقبرص وإسرائيل ستكون مهمة لمساعدة أوروبا في تنويع وارداتها من الغاز، في الوقت الذي ينخفض فيه الإنتاج في بحر الشمال وترتفع فيه الإمدادات الروسية".