هل ولدت حكومة الصيد ميتة؟

27 يناير 2015
تحفظات كبيرة على الحكومة وطريقة تشكيلها (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن حصول الحكومة التونسية الجديدة التي يرأسها الحبيب الصيد على ثقة مجلس النواب التونسي بات أمراً صعباً، إذ إن تأمين الأصوات الـ109 المطلوبة من مجموع 217 صوتاً هم عدد أعضاء المجلس، أصبح بعيد المنال، خصوصاً بعد إعلان مكوّنات حزبية رئيسية داخل البرلمان عدم نيتها منح الحكومة الجديدة ثقتها.

هذه الصعوبة ظهرت بتأجيل جلسة البرلمان التي كانت مقررة اليوم الثلاثاء، والمخصصة لعرض حكومة الصيد لنيل ثقة البرلمان، حتى تتمكن من ممارسة مهامها.

وأعلنت عدة أحزاب قبل ذلك عدم منح الثقة للحكومة، أبرزها حركة "النهضة"، ثاني أكبر كتلة برلمانية بـ69 مقعداً نيابياً، والتي قرر مجلس الشورى فيها بعد اجتماعه أمس الأول الأحد، عدم منح الثقة لهذه الحكومة.

هذا القرار أرجعه رئيس مجلس شورى الحركة فتحي العيادي إلى "عدم استجابة هذه الحكومة لمعايير حكومة وحدة وطنية وعدم انسجامها مع التصورات التي أكدت عليها النهضة حول حاجة البلاد إلى التوافق والتشارك في إدارة المرحلة من خلال حكومة وحدة".

موقف مجلس شورى "النهضة" اعتبره البعض لا يُعبّر عن التوافق التام داخل الحركة من الحكومة، لكن القيادية في الحركة والنائب عنها يمينة الزغلامي تؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "لا توجد خلافات حول الموقف من حكومة الصيد داخل مجلس الشورى، وإنما هناك اختلافات في بعض الآراء حول تقدير موقف الحركة"، موضحة أن "مجلس الشورى مؤسسة ديمقراطية تستمد قوتها من تعدّد الأصوات داخلها وهي كلها أصوات محترمة، لكننا اتفقنا وبالإجماع على عدم منح الثقة لحكومة الصيد".

أما عن أسباب عدم منح الثقة، فتعيدها الزغلامي إلى "إيمان الحركة بضرورة قيام حكومة وحدة وطنية تشمل أكبر قدر ممكن من الأحزاب السياسية حتى تؤدي مهامها في هذا الظرف الصعب بشكل مريح".

وتلفت إلى أن "المشاورات التي أجرتها الحركة مع الصيد كانت ايجابية إلى آخر لحظة لكن تغير كل شيء في اللحظات الأخيرة"، معتبرة أن "تركيبة الحكومة المقترحة، وعلى الرغم من ضمها لكفاءات تحظى بالتقدير والاحترام، فهي تضمّ أسماء لا تعبر حقيقة عن روح الثورة التونسية".

وتؤكد الزغلامي أن "موقف النهضة لا علاقة له بعدم مشاركتها في الحكومة، بل أساساً بعدم استجابة هذه الحكومة إلى معطيات أساسية في تقدير الحركة، وهي ضمان الاستقرار والحريات والحقوق الأساسية وحقوق الشهداء وجرحى الثورة".

ويتوافق موقف "النهضة" مع موقف "الجبهة الشعبية"، التي أعلنت بعد اجتماع مجلس أمنائها أمس الأول عدم منحها الثقة لحكومة الصيد. وأرجع القيادي في الجبهة وعضو مجلس أمنائها زهير حمدي، هذا الموقف إلى "عدم استجابة حكومة الصيد للحد الأدنى من استحقاقات المرحلة"، مشيراً إلى "وجود تحفظات على بعض أعضاء هذه الحكومة لارتباطهم بالنظام السابق أو بسبب شبهات فساد".

وأضاف حمدي أنّ تشكيل حكومة الصيد "اتسم بالكثير من الارتجال، على الرغم من وجود بعض الشخصيات المحترمة ضمن تركيبتها".

لكن يبقى الموقف الذي أعلنه النائب عن "الجبهة الشعبية" الجيلاني الهمامي في برنامج تلفزيوني الأكثر فرادة، إذ ذهب إلى أن "هذه الحكومة هي اختبار أولي لحكومة مقبلة سيشكّلها حزب نداء تونس وحركة النهضة بعد فشل حكومة الصيد في نيل ثقة النواب".

هذا الموقف رفضته الزغلامي، مؤكدة في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "هذا الكلام غير صحيح وأنا أبرئ النهضة والنداء من هذا التكتيك المزعوم، فوضع البلاد اليوم لا يسمح بمزيد من إرباك المشهد السياسي بمثل هذه المناورات".

إضافة إلى حركة النهضة (69 مقعداً) والجبهة الشعبية (15 مقعداً)، عبّر العديد من الأحزاب ذات التمثيل البسيط لكن التي قد تصبح مؤثرة عند التصويت على الثقة، عن عدم رضاه عن تركيبة الحكومة، ومنها حزب "آفاق تونس" (8 مقاعد) وحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" (4 مقاعد) و"التيار الديمقراطي" (4 مقاعد) وحزب "المبادرة" (3 مقاعد) وحركة "الشعب" (مقعد).

هذه المعطيات تجعل من حكومة الصيد في وضع صعب قد لا يمكّنها من الحصول على الحد الأدنى من ثقة النواب، وخصوصاً أن هناك بعض التسريبات من داخل "نداء تونس" (86 مقعداً) وهو الحزب الأكبر، تفيد بوجود ثلاثة من نوابه على الأقل ينوون عدم التصويت. إضافة إلى كل ذلك برز إشكال دستوري يتمثل في أحقية النواب الذين سيتولون حقائب وزارية من "نداء تونس" وعددهم ثلاثة، في التصويت لمنح الثقة للحكومة التي يُعدوّن جزءاً لا يتجزأ من أركانها.

لكن على الرغم من كل هذه المعطيات يرى رئيس مجلس النواب والقيادي في "النداء" محمد الناصر، أن "المواقف من الحكومة الجديدة هي ردود أفعال وتقييم لأشخاص وليس لبرنامج الحكومة وهو المهم".

هذه المؤشرات الأولية وفي عملية حسابية بسيطة، تجعل من حكومة الصيد لا تحظى في أحسن الأحوال إلا بأصوات نواب "النداء" وشريكه في تركيبتها "الاتحاد الوطني الحر" (17 مقعداً) أي ما مجموعه 103 أصوات، وهو ما لا يمكّنها من الحصول على ثقة البرلمان التونسي والتي حدّدها القانون بخمسين في المائة زائداً واحداً، أي 109 أصوات، وهو أمر حتى وإن حصل فسيجعل هذه الحكومة ضعيفة جداً في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي صعب قد يجعل من عمر الحكومة قصيراً إذا لم يتم إجهاضها منذ البداية.

فهل تكون الرغبة في تأجيل جلسة البرلمان اليوم محاولة من قبل "نداء تونس" لإنقاذ الحكومة، وسعياً منه لإعادة تنشيط الحوار مع بعض مكونات البرلمان، أو ربما فتح المجال لتطعيم الحكومة بممثلين عن أحزاب أخرى؟

المساهمون