هل مهنة الـ "دي جيه" في خطر؟

21 اغسطس 2020
صناع الموسيقى الإلكترونية والـ"دي جيه" لا يُعتبرون "فنانين" على المستوى القانوني (Getty)
+ الخط -

نشر المنسق الموسيقي "دي جيه" الفرنسي سايمون سيل، في يونيو/حزيران، افتتاحية في صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسيّة عنوانها "أريد أن أعمل كدي جيه، لكن ليس كيفما كان". الافتتاحية تشير إلى الضرر الذي تعرضت له المهنة بسبب الحجر الصحي، من عدم القدرة على التنقل، إلى إلغاء الحفلات التي يلعب فيها الـ"دي جيه" موسيقاه، ويطالب فيها بتنظيم المهنة، سواء في ما يتعلق بالتنقل وأماكن الإقامة أو تنظيم الحفلات.

تبدو الافتتاحية عند قراءتها للمرة الأولى ساذجة في مطالبها، لكن الأمر يتعدّى ذلك، خصوصاً أن مهنة الـ"دي جيه" قائمة على التجمهر والتلامس والرقص والتجمع التي حرمنا منها حالياً؛ فتهدد عمل هذه الفئة من الفنانين الذين يحتاجون إلى الجمهور كي يتمكنوا من بناء مسيرتهم. لكن الموضوع تحول إلى تهديد لصناعة الموسيقى الإلكترونيّة بأكملها، حسب الافتتاحية التي نشرت في الشهر الماضي في الصحيفة نفسها، إذ وقّع 170 "دي جيه" ومؤلف موسيقى إلكترونية عريضة يطالبون فيها وزارة الثقافة الفرنسيّة بإنقاذ مهنتهم وموسيقاهم "التي أصبحت أشد هشاشة بسبب الأزمة الصحيّة العالميّة".

تبدأ الافتتاحية بمخاطبة وزيرة الثقافة بوصفها امرأة تحب الموسيقى الكلاسيكيّة والأوبرا، ويحاول بعدها الموقعون رفع قيمة الموسيقى الإلكترونية والتأكيد على دورها المعاصر، وأثرها في السوق، إذ أشارت الافتتاحيةّ إلى أن مبيعاتها تشكل 17 في المائة من السوق الكليّ، وأثر "اللمسة الفرنسيّة" على الموسيقى العالميّة بأكملها، خصوصاً تلك الإلكترونيّة التي تخاطب كل الفئات والألوان والطبقات.

الإشكالية التي يواجهها صناع الموسيقى الإلكترونية والـ"دي جيه" هي عدم اعتبارهم "فنانين" على المستوى القانوني، ما يحرمهم من الكثير من الحقوق، خصوصاً الآن، في ظل غياب الحفلات، إذ طالبوا بافتتاح أماكن استثنائية للحفلات وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي ضمنها. وهنا نلاحظ الأزمة التي يعيشها القطاع الموسيقي، ذاك القائم على الاحتفال والحركة التي تتناقض مع بروتوكولات الصحة العامة المفروضة على الناس والأماكن العامة.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

هذا الضرر يلاحق كل الأنشطة والمهن الثقافيّة، لكن مهنة الـ"دي جيه" نفسها تبرز هنا بوصفها قائمة على الجموع، لا "دي جيه" يعمل وحيداً إلا باستثناءات الراديو التي يخاطب فيها جمهوراً لا يعرفه، لكن نظام الاحتفال والتجمهر نفسه المهدد هنا، والوضعية القانونية والإدارية للعاملين في هذا القطاع.

المثير للاهتمام هو نبرة البيان ومحاولة إثبات وجود الموسيقى الإلكترونية وجعلها في موقع المقارنة مع الموسيقى الكلاسيكية، وهذا ما يثير الاستغراب؛ إذ يظن المرء أنها نالت هذا الاعتراف منذ مطلع الألفية. وهنا يظهر الخطر، فندرة المهرجانات ومنصات اللعب التي تتيح للـ"دي جيه" اختبار موسيقاه تركته حائراً وأحياناً من دون قدرة على اختبار أثر موسيقاه، بل ويجعلنا نطرح سؤالاً يرتبط بجوهر هذه الموسيقى: هل هي صالحة فقط للحفلات والتجمعات؟ أي هل يمكن الاستماع إليها بصورة منفردة مع ضمان استمرار إنتاجها؟ الصيغة التي كتب فيها البيان تشير إلى إجابة ساذجة: "لا".

عنوان الافتتاحية ونبرتها مليئان بالخوف: هل يمكن فعلاً أن يختفي نوع فني بسبب كارثة ما؟ أو بسبب تغير سياسي؟ التفكير بهذا الشكل يحيلنا إلى الدراسات الثقافية وبعض النصوص التي ترى أنه نعم، يمكن أن يتوقف الفنانون عن إنتاج شكل معين والحفاظ على بعض جمالياته في أشكال أخرى، كونه ارتبط بأيدولوجيا ما، كحالة المستقبليين في القرن العشرين الذين تحوّل بعضهم إلى النازية والبعض الآخر إلى الشيوعيّة. أما الشكل الفني المقصود فهو البوستر الذي ارتبط بالبروباغندا، وما حصل أن جماليات المستقبلية تسللت إلى مدارس أخرى بعد أن فقدت سطوتها وارتبطت بالخطاب الأيديولوجي، ربما وفي ظل الشروط القائمة قد تجد الموسيقى الإلكترونية نفسها في مواجهة خيارات ترتبط بأسلوب صناعتها، والجماليات التي تحتويها، في ظل التحديات القائمة التي تهدد وجودها نفسه، حسب الموقعين على البيان.

دلالات
المساهمون