هل من مبرر لاستمرار "الإخوان"؟

09 ابريل 2018
+ الخط -
احتفل الإخوان المسلمون، قبل أيام، وهم في أوج أزمتهم وآلامهم، بذكرى مرور تسعين عاما على تأسيس حركتهم.
تسعون عاما كاملة، كان عنوانها الإخفاقات السياسية المتتالية، وما يعقبها، دائما، من سجون ودماء وتشريد. كأن الجماعة تعاود كيمياء العمل نفسه، الذي لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة: المحنة. وكأن المحنة الهدف الذي تستمر من أجله أكبر وأضخم جماعة سياسية ودعوية في العالم العربي، فهل من مبرر لاستمرار وجود الإخوان المسلمين، خصوصا وأن كل محنة تعرّضت لها، ترافقت مع تراجع الحريات في الدولة؟
محن كثيرة وخسائر بشرية كبيرة تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين في كل الدول العربية، منذ تأسيسها سنة 1928، خصوصا محنة الخمسينات، بعد حادثة المنشية التي اتهمت فيها الجماعة بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، إلى سنة 2013، حينما تجرّأ الرئيس عبد الفتاح السيسي على الانقلاب على الشرعية الشعبية والقانونية، وحرق مئات من أبناء الجماعة، وهم أحياء، في ميدان رابعة وغيره.
بسبب الإخوان المسلمين، خسرت الأمة العربية آلافا من شبابها الإخواني، وضاعت قدرات علمية وثقافية ومعرفية، كادت تكون حصنا منيعا، إلا أن انتمائهم للإخوان، فقط، كان دائما وأبدا، يضعهم أمام قدر المحنة، ويخيّرهم، مضطرين، ما بين السجن، أو الموت أو التشرد.
في كل محنة كانت قيادات "الإخوان" تتمسك بالنهج نفسه، والأسلوب نفسه، والتكتيك نفسه الذي يؤدي إلى محنة أخرى.
ما يعيبه بعض من "الإخوان" على قيادات الجماعة هو التمسك بالسلمية أمام عنف الدولة المسلط عليهم، إلا أن القيادات كانت تقدم أرواحها فداء للتمسك بنهج المحنة والالم: السلمية. كانت السلمية موضع خلاف منذ بدايات الجماعة، إذ تمسك بها المؤسس حسن البنا، حينما دخل عليه بعض شباب الحركة، وأشهروا في وجهه السلاح، ليغير موقفه من ظلم الدولة لهم.
وهو ما حدث مثله تماما مع المرشد حسن الهضيبي، وحدث الجدل نفسه ما بعد انقلاب سنة 2013. المعادلة صعبة، إذ كيف يتم الرد على آلة قتل جبارة، وهي الدولة، ممثلة في جيشها في مصر، أمام شباب أعزل، سلمي، ليس له من خيارات كثيرة، أحلاها مر.
طول المحن التي تعرّض لها الإخوان المسلمون، وكثرتها، أوجد جيلا لم يعد مؤمنا بالسلمية، جيلا يطمح إلى رد فعل، حين الفعل، من دون تأجيل، يقلل من خسائرهم، أو يطيح قاتلهم. وإلا فما الغاية من عمل سياسي لا يؤدي إلا إلى النتيجة نفسها. فمن العبث التمسك به، وهو ما أصبح عبئا كبيرا، خصوصا على الذين قرأوا التاريخ، وتأملوا حجم الخسائر البشرية التي تعرض لها الإخوان المسلمون. وهو ما دعا أيضا إلى إعادة النظر في فكر "الإخوان"، أهو المشكل في الوصول إلى كل هذه العذابات والآلام أم هناك أسباب أخرى فوق طاقة "الإخوان" وخارج فكرهم؟
وقبل الولوج إلى فكر الإخوان، فثمة معضلة تعترض "الإخوان" في أغلب الدول العربية التي يوجدون فيها، وهي أنهم يفوزون في كل انتخابات حرة شفافة وديمقراطية تجرى في بلدانهم. وهو ما حدث في فلسطين مع حركة حماس، وفي المغرب وفي تونس وفي مصر. هذه المعضلة جعلتهم هدفا مباشرا للدكتاتوريات التي تحكم الدول العربية، فهي تهديد حقيقي لعروشهم. ومن بين أسباب هزيمة الربيع العربي هو تدخل هذه الدكتاتوريات لمنع سيطرة الأحزاب الإخوانية، خصوصا في مصر واليمن وليبيا وسورية، فحولت هذه البلدان إلى مقابر جماعية.
وعلى الرغم من أن الأحزاب الإخوانية أثبتت أنها قادرة على استيعاب أنظمة الحكم المتقدمة، مثل الديمقراطية والتعايش معها، والامتثال لأوامرها ونواهيها، مثل تجربة إخوان تونس، إلا أنّ إصرار الدكتاتوريات على تسميم كل مناخ يوجد فيه الإخوان المسلمون لا زال متواصلا، وهو ما يهدد حاليا الدولة التونسية بالانهيار والفوضى.
تتهم بعض الدكتاتوريات الحركات الإخوانية باستعمال الديمقراطية لإقامة دولة الخلافة، وهو ما عبر عنه أخيرا، وبكل وضوح، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلا أن تجربة الإخوان في الحكم أثبتت أنه ليس لديهم مشروع إقامة دولة خلافة بمواصفات خاصة بهم. دولة الخلافة لديهم أن يكونوا في سدة الحكم، عبر صناديق الاقتراع، وأن لا يتعارضوا في قوانينهم مع شرع الله، وحتى التعارض مع شرع الله ففيه نظر، فقد تقع مخالفته عند الضرورة.
يتبنى الإخوان المسلمون مشروع دولة بنكهة اشتراكية أو ليبيرالية، أو خليط بين هذا وذاك، وهم بذلك لا يختلفون كثيرا عن كل الأحزاب العربية. ما يختلفون به عن الأحزاب الأخرى هو تمثيليهم الشعبي، وقدرتهم على اكتساح أي انتخابات محتملة والفوز بها.
إيمان الإخوان المسلمين بالانتخابات والتداول السلمي على السلطة مثّل تهديدا محتملا للدكتاتوريات والممالك والإمارات. هذا الإيمان دفع إلى محاربتهم ووأد حضورهم في كل دولة، ولو بإحراق هذه الدولة.
إذا، محن الاخوان المسلمين وآلامهم هي الثمن لشعبيتهم واحتمال وصولهم السلطة في الوطن العربي عبر صناديق الاقتراع. ولن تكف محنهم إلا بواحدة من اثنتين، حل الجماعة نهائيا، أو سقوط كل الدكتاتوريات العربية وإجراء انتخابات تحمل من تحمل إلى سدة الحكم.
9F050F52-E60E-4E02-8779-EC6C876D09AD
9F050F52-E60E-4E02-8779-EC6C876D09AD
محجوب أحمد قاهري (تونس)
محجوب أحمد قاهري (تونس)