هل من سبيل آخر لمن لا يملك الثمن كاملاً؟

30 مايو 2016
(في سوق بغداد، تصوير: رسول علي)
+ الخط -

في حوار بين سائق ميكرو باص وأحد الركاب، تساءل السائق عن سعر سيارة ميكرو باص، أجاب الراكب أنها تتراوح ما بين 20-22 ألف دولار. قال السائق: "حتماً اشتراها بالتقسيط، سيبقى يسدد المبلغ طوال ثلاث سنوات وربما أكثر، لقد حصل معي ذلك سابقاً، اشتريت شبيهتها بالتقسيط بفارق يصل إلى ألفي دولار عن سعرها الأصلي، وبعد أشهر أصيبت بعطل دفعني إلى بيعها، وخسرت الكثير من المال".

كان وجه الراكب يوحي بعدم الرضا، فسألناه إن كان يوافق على شراء سيارة بالتقسيط وتحمل الفائدة، فقال: "وهل من سبيل آخر لمن لا يملك ثمنها كاملاً؟".

ارتفاع اسعار احتياجات الشباب والعائلات عموماً، والعقارات بشكل خاص، في ظل نظام اقتصادي ريعي، إلى جانب استفحال الأزمة المالية؛ عوامل جعلت من هذه القروض السبيل الوحيد للشاب من أجل تأسيس حياته وتلبية احتياجاته.

الصحافي ياسر السالم، يقول في حديث مع "جيل العربي الجديد"، إن "المواطن العراقي يتعامل مع سوق منفلتة من الضوابط والقوانين وحتى خارج أطر المنافسة بسبب حالة الفوضى التي تعم البلاد".

ورغم عدم رضا الشباب بارتفاع فوائد السلع المباعة بالتقسيط يؤكد أن "الشباب مضطرون للجوء إليها من أجل توفير احتياجاتهم. فالذي يذهب لشراء سيارة أجرة بالأقساط بفوائد عالية هو مضطر لذلك من أجل العمل، وتوفير شيء بسيط من لقمة العيش".

من جانب آخر، يقع على كاهل الشاب حمل إضافي، فشراء أو بناء منزل في بغداد عملية مكلفة جداً في ظل ارتفاع أسعار العقارات، إذ تدفع الشباب من ذوي الوظائف الحكومية للذهاب إلى بنوك الإسكان للاقتراض من أجل بناء قطعة أرض أو شراء منزل صغير.

يقول السالم إن "الحكومة عملت على توزيع الأراضي بشكل محدود، لكنها لم توفر السيولة الكافية للمواطنين لبناء هذه الأراضي. فالموظفون منهم يتلقون رواتبَ لا بأس بها، لكنها لا تغطّي متطلبات الحياة الأساسية، فلذلك نرى الشاب مضطراً للجوء إلى القروض من أجل توفير هذه الأساسيات ومنها المنزل مثلاً".

يحمّل السالم الحكومة مسؤولية ارتفاع أسعار العقارات: "فهي لم تعمل على إنشاء أحياء جديدة، فصار تضخم الأسعار في سوق العقارات يتجاوز أي سوق في المنطقة. بل إن مساحة بيت في منطقة الكاظمية تعادل سعر فيلا في أرقى أحياء دبي!".

بينما يعتقد وسيم عبد، صاحب أحد المحال التجارية في منطقة الشورجة في بغداد، أن "القروض البنكية والبيع بالأقساط، رغم الفوائد المرتفعة التي عادة ما تصل إلى 30%، تعد عوناً للشاب الساعي إلى تأسيس حياة جديدة وتكوين أسرة، خصوصاً في ظل الاقتصاد العراقي المنهار"، مبيناً أن "النظام الاقتصادي الريعي جعل البلد يمر بأزمة مالية خانقة، إذ يكاد ينعدم مدخول البلاد من الزراعة والصناعة، وفي الوقت الذي تستفحل فيه أزمة السكن وترتفع أسعار العقارات، يصبح القرض فرصة ذهبية للتعامل مع الأسعار المرتفعة".

ويضيف "لا أحب أن تتدخل الدولة في عمل السوق، لكن يمكن تشريع بعض القوانين للسيطرة على ارتفاع الفوائد إلى حدود غير معقولة".

يشير الخبير الاقتصادي ميثم لعيبي في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد" إلى أن "القروض وفوائدها المرتفعة، فضلاً عن الضمانات الكبيرة التي يطالب بها النظام المصرفي، هي مشكلة مزدوجة ومعقدة بسبب صعوبة التسديد؛ ما دفع النظام المصرفي إلى الامتناع عن الإقراض ورفع أسعار الفائدة والتوجه إلى أوجه استثمار مضمونة أخرى، خصوصاً في مضاربات مزاد العملة وسد الأبواب أمام المقرضين"، لافتاً إلى ابتعاد المواطنين عن النظام المصرفي "خوفاً من إفلاس بعض المصارف أو توقفها عن إرجاع ودائع المودعين، وكثرة الإجراءات الإدارية للسحب والإيداع، وتعقدها، فضلاً عن أسعار الفائدة المنخفضة التي تدفعها المصارف للمودعين أو انهدامها حتى، سواء على الودائع بالدينار أو الودائع الدولارية".

ويعزو لعيبي ارتفاع أسعار العقارات إلى طبيعة النظام المصرفي، ذلك أن البناء العمودي الواسع يحتاج إلى ضمانات للشركات وتمويل من المصارف، مؤكداً "عدم توفر ذلك حتى في إقليم كردستان، بسبب العديد من المشاكل، منها أن العائدات المصرفية القديمة لا تستوعب التمويل لأغراض البناء الواسع، وغياب الشركات المتخصصة في مشاريع كهذه".

دلالات
المساهمون