24 سبتمبر 2020
هل عاد الصراع على الشرق الأوسط؟
أسفرت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) عن حسم الصراع على الشرق الأوسط لصالح أوروبا، حيث اقتسمت قوى الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا) النفوذ على المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية الكبيرة، على أساس اتفاقية سايكس - بيكو، بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية وهزيمتها. ولكن جاءت الحرب العالمية الثانية ( 1939- 1945)، وعلى الرغم من انتصار الحلفاء، إلا أنها حملت رياح التغيير في مراكز القوى والتأثير، حيث صعدت الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها القوة العظمى الأولى، والتي حسمت نتيجة الحرب، لتبشر بأفول نجم قوى الاستعمار القديم بامبراطورياته المتهالكة، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا، وكانت النهاية في حرب السويس 1956، والمعروفة بالعدوان الثلاثي على مصر، والذي قادته بريطانيا وفرنسا، ومعهما دولة العدو الإسرائيلي، وكانت الذريعة إغلاق مصر خليج العقبة ومضيق تيران المصري في وجه الملاحة الإسرائيلية. ولأن عملية السويس تمت من دون رغبة القوى العظمى ومباركتها، أميركا والاتحاد السوڤييتي في ذلك الوقت، كان لا بد من إفشال العملية، بإجبار القوى الثلاث التي قامت بالغزو على الانسحاب، وهي تجرّ أذيال الخيبة، وإن كانت مصر قد تراجعت، في المقابل، عن قرار إغلاق خليج العقبة، وقبلت بوجود قوات مراقبة دولية. وكانت تلك بداية النهاية للنفوذ الأوروبي في المنطقة التي أصبحت ساحة صراعٍ بين القوتين العظميين، أميركا والاتحاد السوڤييتي الذي كان قد تمكّن من إيجاد موطئ قدم له، عبر صفقة السلاح التى مرّرها إلى مصر من خلال تشيكوسلوفاكيا عام 1955، وبدأ توثيق علاقاته مع نظام جمال عبد الناصر "الثوري التقدمي"، وقدّم نفسه الداعم الرئيسي لتلك النظم القائمة على الثورات الانقلابية أو الانقلابات الثورية العسكرية، والتي بدأت تنتشر فى المنطقة، متأثرة بنجاح حركة الضباط الأحرار في مصر، والانتصار السياسي الذي حققه عبد الناصر
ونظامه في 1956 في أعقاب فشل العدوان الثلاثي. وفي المقابل، أعلنت أميركا عن سياسة ملء الفراغ في المنطقة، والتي أسفرت عن إقامة حلف بغداد. وجاء الانقلاب العسكري في العراق 1958 ليقوّض الحلف، وتوالت الانقلابات العسكرية فى المنطقة، انقلاب الفريق إبراهيم عبود في السودان 1958، وانقلاب عبدالله السلال في اليمن 1962، وانقلاب معمر القذافي في ليبيا 1969، وانقلاب حافظ الأسد واستيلاؤه على السلطة فى سورية 1970، وكانت الجزائر قد حققت الاستقلال في 1962، وأصبحت تحت حكم جبهة التحرير الوطني. واتجهت تلك النظم إلى الاتحاد السوڤييتي.
بلغ الصراع ذروته في العام 1967، عندما بدا أن المحور التقدمي، بزعامة مصر وعبد الناصر، مستنداً إلى الدعم السوڤييتي يسعى إلى الهيمنة على المنطقة، وكان لا بد من ضرب ذلك المحور. وهنا جاء دور الطرف الثالث في معادلة الشرق الأوسط، وهو إسرائيل، والتي أحدثت التطورات الدراماتيكية في المنطقة بحرب يونيو/ حزيران1967، والتي انتهت بهزيمة مروّعة لكل من مصر وسورية، ومعهما الأردن التي تورّطت في تلك الحرب التي اصطلحنا على تسميتها "النكسة"، والتي كانت حدثا كاشفاً لمدى تهافت الجيوش القومية التي لا تصلح سوى لحماية نظم الحكم التي قامت على الانقلابات العسكرية.
وانشغلت الدول العربية بقضية "إزالة آثار العدوان"؟
جاءت حرب اكتوبر 1973، لتمثل نقطة فارقة في الصراع على الشرق الأوسط، فلم تكن فقط حرباً مصرية سورية، لتحرير شبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، لكنها مثلت تحولا مهماً في ميزان القوى في المنطقة، عندما اختار السادات مسار عملية السلام مع العدو الإسرائيلى برعاية أميركية، وأعلن صراحة أن 99% من الأوراق فى يد أميركا؟ وبدأ الدور الروسي في المنطقة يتراجع تدريجيا، وخرجت القوة العربية الكبرى (مصر) من مجال النفوذ الروسي بعقد معاهدة السلام مع إسرائيل، وبالقرار الأميركي بتقرير معونة عسكرية دائمة لمصر. ولكن بقي الوجود (والنفوذ) الروسي في دول في المنطقة، ارتكازاً على اعتماد جيوشها القومية على نظم التسليح الروسية، وهي بالتحديد سورية والعراق وليبيا واليمن، والجزائر نسبياً. واستمر
الصراع على الشرق الأوسط، خلال حقبة الثمانينيات، وتم تحييد الجيش السوري وإشغاله بالقضية اللبنانية، واستنزاف الجيش العراقي بحرب طويلة مع إيران. وفي التسعينيات، جاءت الفرصة لضرب الجيش العراقي مرة أخرى، عندما قام صدام حسين بمغامرته المأساوية، غزو الكويت، في أغسطس/ آب 1990، وتم شن عملية عاصفة الصحراء بقيادة أميركا لتحرير الكويت في يناير/ كانون الثاني 1991، ووقع الحدث الدراماتيكي في ديسمبر/ أيلول 1991، عندما تم اعلان تفكيك الاتحاد السوفييتي. وهكذا دخل الصراع على الشرق الأوسط مرحلة جديدة، ازداد فيها النفوذ الأميركي، بينما بقيت بعض الدول القومية على موقفها المناوئ لأميركا.
جاءت الألفية الثالثة تحمل التغيرات الرئيسية، ليس فقط في الشرق الأوسط. ولكن، في العالم كله، بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية في أميركا، وإعلان الحرب العالمية على الإرهاب، وغزت أميركا أفغانستان، ثم في العام 2003، قامت بغزو العراق وتدمير الجيش العراقي، وتسريح ما تبقى منه بقرار من الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر. وهكذا، انتهى أكبر جيش يعتمد على السلاح الروسي في المنطقة، وخرجت روسيا من العراق، وجاءت ثورات الربيع العربي في مطلع العام 2011، لتطيح ما تبقى من الجيوش المعتمدة على نظم التسليح الروسية، والتي كانت تمثل الذريعة للوجود الروسي في المنطقة، فقد تم تدمير الجيش الليبي وتشتيته، وتشتت الجيش اليمني في ظل الانقسام والحرب اليمنية – اليمنية، ودخول التحالف العربي الخليجي، بقيادة السعودية، في الحرب، إلى جانب الطرف الذي يمثل الشرعية، وانقسم الجيش السوري، وكون العسكريون المنشقون جيشاً موازيا، هو الجيش السوري الحر الذي يقاتل إلى جوار المعارضة السورية؟
وهكذا خرج الدب الروسي من دائرة الصراع على الشرق الأوسط بسقوط النظم التي كانت تعتمد عليه، وتدمير جيوشها، عدا موطئ قدم في سورية، ولم يبق في الساحة سوى النسر الأميركي يحلق كما يشاء في سماء الشرق الأوسط. ولكن، ظهر على الساحة طرفٌ جديد، أخذ يمثل تهديداً حقيقيا، ليس للنفوذ الأميركى فقط، بل لكل نظم الحكم في المنطقة، وهي الجماعات والتنظيمات الراديكالية التي تحمل شعارات دينية، لتشتعل الاضطرابات في المنطقة.
في ظل تلك الاضطرابات الحادة في المنطقة، ظهرت توجهات أميركية إلى اتباع إستراتيجية الابتعاد التدريجي عن الشرق الأوسط، والتي أتاحت الفرصة لعودة روسيا إلى المنطقة، بقوة عبر سورية ونظام بشار الأسد، وإلى تزايد دور لاعبين إقليميين، هما إيران وتركيا، مع خفوت أدوار اللاعبين العرب لأسباب عديدة. وهكذا ظهرت بوادر نشأة "نظام صراع إقليمي"، يشمل منطقة الشرق الأوسط، تنتقل فيه الأسلحة والأفراد والأفكار وأفرع التنظيمات الراديكالية، وتتبدل التحالفات، والولاءات، وتخيم على هذا النظام أجواء الحرب على الإرهاب.
في وسط تلك الأجواء المضطربة، انتهت الانتخابات الأميركية بفوز مرشّح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، والذي أعلن، بشكل واضح، أن لأميركا مصالح كبرى في الشرق الأوسط، تتمثل في النفط، وطرق إمداده إلى الغرب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توجهاته بالنسبة للحرب على الإرهاب "الإسلامي" المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر القاعدة وأي تنظيمات أخرى. وأيضاً تحجيم الدور الإقليمي لإيران، واستمرار دعم إسرائيل.. وتعني كل تلك التوجهات عمليا العودة القوية إلى الشرق الأوسط. وهذا يطرح السؤال المهم: هل يعود الصراع على الشرق الأوسط من جديد؟ وعن ماذا سيسفر هذا الصراع، في غياب شبه كامل لمن يدور الصراع حولهم، وهم دول المنطقة، وإذا كانت نظم الحكم في المنطقة مشغولة بتثبيت أركان حكمها، بعد إحباط ثورات الربيع العربي، وفي ظل الصراعات على السلطة؟ هل أصبح على الشعوب أن تدرك أن مصيرها يتشكل على يد قوى خارجية، لا يعنيها سوى مصالحها، وعليها أن تستيقظ لتقرّر مصيرها، وتفرض إرادتها قبل فوات الأوان؟
بلغ الصراع ذروته في العام 1967، عندما بدا أن المحور التقدمي، بزعامة مصر وعبد الناصر، مستنداً إلى الدعم السوڤييتي يسعى إلى الهيمنة على المنطقة، وكان لا بد من ضرب ذلك المحور. وهنا جاء دور الطرف الثالث في معادلة الشرق الأوسط، وهو إسرائيل، والتي أحدثت التطورات الدراماتيكية في المنطقة بحرب يونيو/ حزيران1967، والتي انتهت بهزيمة مروّعة لكل من مصر وسورية، ومعهما الأردن التي تورّطت في تلك الحرب التي اصطلحنا على تسميتها "النكسة"، والتي كانت حدثا كاشفاً لمدى تهافت الجيوش القومية التي لا تصلح سوى لحماية نظم الحكم التي قامت على الانقلابات العسكرية.
وانشغلت الدول العربية بقضية "إزالة آثار العدوان"؟
جاءت حرب اكتوبر 1973، لتمثل نقطة فارقة في الصراع على الشرق الأوسط، فلم تكن فقط حرباً مصرية سورية، لتحرير شبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، لكنها مثلت تحولا مهماً في ميزان القوى في المنطقة، عندما اختار السادات مسار عملية السلام مع العدو الإسرائيلى برعاية أميركية، وأعلن صراحة أن 99% من الأوراق فى يد أميركا؟ وبدأ الدور الروسي في المنطقة يتراجع تدريجيا، وخرجت القوة العربية الكبرى (مصر) من مجال النفوذ الروسي بعقد معاهدة السلام مع إسرائيل، وبالقرار الأميركي بتقرير معونة عسكرية دائمة لمصر. ولكن بقي الوجود (والنفوذ) الروسي في دول في المنطقة، ارتكازاً على اعتماد جيوشها القومية على نظم التسليح الروسية، وهي بالتحديد سورية والعراق وليبيا واليمن، والجزائر نسبياً. واستمر
جاءت الألفية الثالثة تحمل التغيرات الرئيسية، ليس فقط في الشرق الأوسط. ولكن، في العالم كله، بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية في أميركا، وإعلان الحرب العالمية على الإرهاب، وغزت أميركا أفغانستان، ثم في العام 2003، قامت بغزو العراق وتدمير الجيش العراقي، وتسريح ما تبقى منه بقرار من الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر. وهكذا، انتهى أكبر جيش يعتمد على السلاح الروسي في المنطقة، وخرجت روسيا من العراق، وجاءت ثورات الربيع العربي في مطلع العام 2011، لتطيح ما تبقى من الجيوش المعتمدة على نظم التسليح الروسية، والتي كانت تمثل الذريعة للوجود الروسي في المنطقة، فقد تم تدمير الجيش الليبي وتشتيته، وتشتت الجيش اليمني في ظل الانقسام والحرب اليمنية – اليمنية، ودخول التحالف العربي الخليجي، بقيادة السعودية، في الحرب، إلى جانب الطرف الذي يمثل الشرعية، وانقسم الجيش السوري، وكون العسكريون المنشقون جيشاً موازيا، هو الجيش السوري الحر الذي يقاتل إلى جوار المعارضة السورية؟
وهكذا خرج الدب الروسي من دائرة الصراع على الشرق الأوسط بسقوط النظم التي كانت تعتمد عليه، وتدمير جيوشها، عدا موطئ قدم في سورية، ولم يبق في الساحة سوى النسر الأميركي يحلق كما يشاء في سماء الشرق الأوسط. ولكن، ظهر على الساحة طرفٌ جديد، أخذ يمثل تهديداً حقيقيا، ليس للنفوذ الأميركى فقط، بل لكل نظم الحكم في المنطقة، وهي الجماعات والتنظيمات الراديكالية التي تحمل شعارات دينية، لتشتعل الاضطرابات في المنطقة.
في ظل تلك الاضطرابات الحادة في المنطقة، ظهرت توجهات أميركية إلى اتباع إستراتيجية الابتعاد التدريجي عن الشرق الأوسط، والتي أتاحت الفرصة لعودة روسيا إلى المنطقة، بقوة عبر سورية ونظام بشار الأسد، وإلى تزايد دور لاعبين إقليميين، هما إيران وتركيا، مع خفوت أدوار اللاعبين العرب لأسباب عديدة. وهكذا ظهرت بوادر نشأة "نظام صراع إقليمي"، يشمل منطقة الشرق الأوسط، تنتقل فيه الأسلحة والأفراد والأفكار وأفرع التنظيمات الراديكالية، وتتبدل التحالفات، والولاءات، وتخيم على هذا النظام أجواء الحرب على الإرهاب.
في وسط تلك الأجواء المضطربة، انتهت الانتخابات الأميركية بفوز مرشّح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، والذي أعلن، بشكل واضح، أن لأميركا مصالح كبرى في الشرق الأوسط، تتمثل في النفط، وطرق إمداده إلى الغرب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توجهاته بالنسبة للحرب على الإرهاب "الإسلامي" المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر القاعدة وأي تنظيمات أخرى. وأيضاً تحجيم الدور الإقليمي لإيران، واستمرار دعم إسرائيل.. وتعني كل تلك التوجهات عمليا العودة القوية إلى الشرق الأوسط. وهذا يطرح السؤال المهم: هل يعود الصراع على الشرق الأوسط من جديد؟ وعن ماذا سيسفر هذا الصراع، في غياب شبه كامل لمن يدور الصراع حولهم، وهم دول المنطقة، وإذا كانت نظم الحكم في المنطقة مشغولة بتثبيت أركان حكمها، بعد إحباط ثورات الربيع العربي، وفي ظل الصراعات على السلطة؟ هل أصبح على الشعوب أن تدرك أن مصيرها يتشكل على يد قوى خارجية، لا يعنيها سوى مصالحها، وعليها أن تستيقظ لتقرّر مصيرها، وتفرض إرادتها قبل فوات الأوان؟