هل حانت أخيراً لحظة التنويع؟

30 نوفمبر 2015
الاعتماد على الإيرادات النفطية(حيدر محمد علي/ فرانس برس)
+ الخط -
استفادت دول الخليج العربي من غزارة الإيرادات النفطية طيلة العقد الماضي، تحديداً، عندما كان الوقت ملائماً حينها للقيام بإصلاحات هيكلية تدريجية من مركز قوة، لا من موقع ضعف. الآن، وقد انخفضت أسعار النفط بشدة، فإن الضغوط ارتفعت من أجل البدء بمرحلة تغيير شاملة، وهي مرحلة لن تخلو من الصعوبات وآلام التنفيذ. في الواقع، لن يكون أمام هذه الدول من بدائل أخرى، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتحمل دول الخليج العربي نحو 290 مليار دولار من الخسائر الناجمة عن تراجع عائدات تصدير النفط، هذا العام، بسبب انخفاض خام برنت.

اقرأ أيضاً:النفط السوري يجمعهم

إذ على الرغم من مليارات الدولارات المتراكمة على مدى عقود من الزمن، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي، مازالت تواصل اعتمادها المفرط على إيرادات النفط. ويمكن القول، إن المنطقة التي تنتج نحو خُمس النفط الخام في العالم، قد أضاعت فرصة إعادة تشكيل اقتصاداتها في السابق.

اتجاهات الإنفاق

بالنظر إلى اتجاهات الإنفاق الحالية، فإن السعودية مثلاً، أكبر اقتصاد في المنطقة، قد تشهد عجزاً مالياً يصل إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 وحده. ومع غياب قاعدة مالية واسعة وارتفاع الإنفاق الحكومي لهذه الدول، فإنه من المرجح أن يتسبب ذلك في ارتفاع مستوى مديونياتها. فالإسراف في الإنفاق خلال فترة ارتفاع أسعار النفط، يؤدي إلى تراكم مستويات عالية من الديون نتيجة الاعتماد على الاقتراض الرخيص، لكن مع تراجع أسعار النفط وارتفاع أسعار الفائدة، تزداد الصعوبات في قدرة هذه الدول على خدمة وسداد ديونها. لهذا السبب، قامت السعودية بسحب نحو 75 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأخيرة من استثماراتها في جميع أنحاء العالم من أجل سد العجز في الميزانية.
بالنسبة لبلد صغير، مثل النرويج، وعلى الرغم من كونها خامس أكبر مُصدّر للنفط وثالث أكبر مُصدّر للغاز في العالم، إلا أن صادراتها من النفط والغاز لا تشكل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث سعت النرويج، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلى وضع ما يقرب جميع إيراداتها النفطية التي جنتها منذ ذلك الحين في حساب أُطلق عليه "صندوق النفط"، والذي يُعد، اليوم، من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. صحيح أن هناك من يجادل أن لدى عدد من دول الخليج صناديق سيادية ضخمة مشابهة لصندوق النرويج، إلا أن اقتصادات هذه الدول، وبعد عقود طويلة من الزمن، لا تزال تعتمد على الإيرادات النفطية بشكل كبير في رفد خزينتها. في الواقع، تعتبر دول الخليج العربي ثاني أكثر الدول اعتماداً على النفط في العالم، بعد جنوب السودان، حيث تُموِّل إيرادات النفط نحو 90% من ميزانياتها الحكومية (مقارنة بنحو 20% من ميزانية النرويج). لهذا السبب، يتوقع صندوق النقد الدولي قيام السعودية بإنفاق جميع احتياطاتها المالية، خلال الخمس سنوات المقبلة، في حال استمرت أسعار النفط ضمن مستوياتها المتدنية الحالية.
وفي النرويج، يدفع المواطن ضرائب تُعتبر الأعلى عالمياً، حيث يصل مُعدّل الدخل الضريبي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمعدل لا يتجاوز 4% بالنسبة لدول الخليج العربي، والتي تعتبر من أدنى المعدلات عالمياً. هذا يقودنا إلى إدراك حاجة المنطقة إلى تنويع اقتصادها، والتي لم تعد تحتمل التأجيل. فعلى هذه الدول القيام بإصلاحات ضريبية وجمركية واسعة، مثل فرض رسوم جمركية على السيارات بنسبة 15%، إذ تعتبر نسبة ملكية السيارات واستخدامها في منطقة الخليج أعلى من المتوسط العالمي بكثير.
لاشك أن مثل هذه الإجراءات من شأنها الإسهام في الحد من التلوث، إضافة إلى تخفيف الضغوط على الموازنات العامة، ورفع أداء البنية التحتية لهذه الدول. فالغرض من ضريبة الاستهلاك، هو الاستثمار في البنية التحتية من خلال بناء شبكات جديدة من الطرق وتحسين تلك المستخدمة في الوقت الراهن، ما يترك أثراً إيجابياً على قطاعي التجارة والسياحة حيث يصبح السفر أكثر متعة وأقل استنزافاً للوقت والجهد. إن الأشهر العشرين المقبلة كفيلة أن تُظهر لنا مَن مِن دول الخليج القادرة على إصلاح اقتصاداتها، ومن منها ستبقى حبيسة الاعتماد على عائدات النفط المتضائلة.
(خبير اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاً:النفط وتخمة المعروض
المساهمون