هل تنهي المصالحة المجتمعيّة الانقسام الفلسطيني؟

30 سبتمبر 2017
هل تحقق "المصالحة المجتمعية" نتائج جدّية؟ (Getty)
+ الخط -
لا تخفى على أحد حالة النزاع والتشرذم السائدة على الساحة الفلسطينيّة، بسبب الانقسام السياسي الذي تجلّت أحداثه بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وكانت السلطة الفلسطينيّة تحكم الضفة الغربية وقطاع غزة آنذاك.

منتصف يونيو/ حزيران 2007 اتسعت دائرة الخلاف وبدأت المواجهات بين عناصر كل من سلطتي فتح وحماس، مخلفة عشرات القتلى والجرحى، فقطع التواصل بين غزّة والضفة وبدت الفجوة بين شرائح المجتمع الغزّي تتّسع، حتى داخل أبناء الأسرة الواحدة، حيث الانشقاق الفصائلي سيد الموقف.

بعد مرور 11 عامًا على الانقسام الذي وشح جميع مناحي الحياة الفلسطينية بالسواد، من الواضح أنّ الجهات السياسيّة لكل من الطرفين بدأت بتحريك أوراقها لإنهاء تلك الصفحة المعتمة، عبر مصالحة مجتمعية تعيد اللُحمة للشعب الفلسطيني كخطوة تحدّد مسار مصالحة وطنية شاملة.

أعيد إحياء لجنة المصالحة المجتمعية العليا بناءً على اتفاق القاهرة الذي وقعه 13 فصيلاً فلسطينيًّا في سبتمبر/ أيلول 2011 في مصر، وكان أحد ملفّاتها الخمسة، وجاء في ميثاقه "تقرّ لجنة المصالحة وعوائل الضحايا بأن هذا الاتفاق بات نهائيًا ولا رجوع فيه ولا يجوز النكوص عليه مهما كانت الأسباب واختلفت الدواعي ومهما طال الزمن، كما تقرّ عوائل الشهداء بعمل المطالبة بأي مطالبات مستقبلية غير المتفق عليها في هذا الاتفاق، ويعتبر هذا الاتفاق مسقطاً لأي شكوى أو مطالبات سابقًا أو لاحقًا".


وتتكون تلك اللجنة من سبعة فصائل بالتعاون مع الوجهاء والمخاتير؛ للوصول إلى توافق مع العائلات التي قتل أبناؤها للقبول "بديّة" مالية وقدرها 50 ألف دولار أميركي مقابل التنازل عن أي حقوق لها مستقبلًا. 

الأيام الماضية قطفت لجنة المصالحة المجتمعية أولى ثمار جهدها في الصلح بين العائلات التي طالما انتظرت أن يطرق بابها، في محاولة لترميم ما حدث لهم بسبب الانقسام، وتكريمهم عبر مهرجان صلح في قاعة رشاد الشوا بمدينة غزة، ووقّعت خلاله العائلات على الميثاق الذي دعتهم إليه لجنة التكافل الوطني.

ومن المعروف أنّ المجتمع الغّزي يعيش تحت عباءة العادات والتقاليد التي تتحكّم به بشكل واضح، ما جعل هذا الملف أكثر حساسية وانقسم أهالي الضحايا بين قبول الدية وإبرام الصلح وبين الرفض.

المواطن هاني الليداوي والد أحد الضحايا الذين قتلوا في أحداث يونيو/ حزيران 2007 لم يعرف من الذي قتل ابنه، سوى أنهم كانوا ملثمين مجهولي الهوية؛ قبل الليداوي بالحل السلمي والتصالح متحدثًا بقول: "قبلت بالديّة من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني، فهو كالشوكة في حلقنا والجميع يعرف مدى الفرقة التي يعيشها أبناء الشعب الواحد بسببه، وهذا يخدم مصلحة الاحتلال الإسرائيلي". مضيفاً: "الأجدر بنا توحيد صفوفنا وإغلاق ملف الدم الذي لا فائدة منه حتى لو استمر".

وتابع الليداوي أن الأمر كان صعبًا عليهم في البداية، إذ كان القبول بالديّة ثمنًا لدم ابنهم مرفوضًا، خصوصًا مع اعتراض الأشقاء، لكن بعد محاولات مقنعة من لجان المصالحة قبلوا من أجل تثبيت قوام الشعب الفلسطيني.

في مقابل ذلك كان لشقيق أحد الضحايا، رفض الإفصاح عن اسمه، موقف آخر وتحدث قائلًا: "من الصعب نسيان دم أخي الذي قُتل في تلك الأحداث؛ لأن القاتل معروف لدينا، ويعيش الآن حرًا طليقًا دون أي عقاب"، مضيفًا رفضنا نحن في العائلة القبول بالمصالحة المجتمعية، وطالبت عائلة الضحية اللجنة بخيارات بديلة عن الدية تتمحور في القصاص أو اللجوء للقضاء.

بدوره ثمن شريف النيرب، الناطق باسم لجنة المصالحة المجتمعيّة، دور أهالي الضحايا الذين قبلوا الصلح قائلًا: "إننا سنقدّم كل ما هو مطلوب لإتمام عملية الصلح، من دون إجبار العائلات الأخرى التي رفضت الصلح وإعطاء الأولويّة لمن قبلوا".

وفي سؤال له حول البدائل المطروحة لدى اللجنة، إذا استمر رفض هذه الحلول لدى باقي العائلات أجاب "إن كافة الخيارات مطروحة" من دون أن يوضح ماهيتها بالتحديد.

وشدد النيرب في حديثه على مسامحة الشعب الفلسطيني، ومحاولة اجتياز الصعوبات التي تقف عائقًا أمام سير المصالحة المجتمعية.

وفي السياق ذاته، كشف النائب الأوّل في المجلس التشريعي، أحمد بحر، خلال مهرجان المصالحة المجتمعية الذي أعدته لجنة التكافل الوطنية لتكريم أهالي الضحايا الذين قبلوا الصلح، وتوقيعهم على وثيقة الصلح "أن التشريعي يعكف على صياغة مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية وذلك لمنح الشرعية القانونية لكافة الأعمال التي تقوم بها لجان المصالحة وضمان حصول الأشخاص على حقوقهم التي تقرّرها لجنة المصالحة المجتمعية أو اللجان المنبثقة عنها".

يعيش المجتمع الفلسطيني حالة ترقّب لما ستحمله لهم الأيّام المقبلة، فهل ستنجح المصالحة المجتمعيّة في إصلاح ما أفسده الانقسام السياسي الذي حلّ عليهم طيلة السنوات السابقة وتكون هذه الخطوة بادرة خير لجمع القوى الفلسطينية مجدّدًا.
المساهمون