12 نوفمبر 2024
هل تمرّ حكومة الرئيس في تونس؟
بدأت مشاورات تشكيل الحكومة التونسية بشكل حثيث، إثر تكليف إلياس الفخفاخ بهذه المهمة، بعد أن اختاره رئيس الدولة، باقتراحٍ من حزب تحيا تونس الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد. وأثار هذا الاختيار جدلا من جهة أن الشخصية المقترحة هي إحدى قيادات حزب التكتل للعمل والحريات، وأحد مرشحي الانتخابات الرئاسية الماضية. وعلى الرغم من إعلان الرجل استقالته من حزبه، إلا أنه فعليا أمام مهمةٍ صعبة، لا تخلو من محاذير ومعيقات.
كان واضحا في الندوة الصحافية التي عقدها إلياس الفخفاخ أنه يضع نفسه تحت ذمة الرئيس، فقد أعلن بوضوح أنه يستمد شرعيته ممن كلفه، على الرغم من أن مروره لن يكون قطعا بيد الرئيس، وإنما تقرّره الكتل المتنازعة في مجلس نواب الشعب، وقد حدّد طبيعة القوى التي سيتشاور معها من خلال تأكيد أن الأمر سيقتصر على الأحزاب التي أيّدت الرئيس انتخابيا، وأن حزبي قلب تونس والدستوري الحر ليسا معنيين بالمشاورات الحالية، غير أن الأحزاب التي يعوّل عليها المكلّف بتشكيل الحكومة هي ذاتها متناقضة، وتتنازع من حيث المطالب والتوجهات. وإذا كانت أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس متقاربة من حيث المواقف، وهي التي سعت، من البداية، إلى الوصول إلى هذا الخيار، أعني ما يصطلح عليه حكومة الرئيس، فإن لحركة النهضة وكتلة ائتلاف الكرامة التي ساندت محاولة الحبيب الجملي في حكومته التي رفضها البرلمان حسابات مغايرة. ومن هنا تظهر النزاعات واختلاف الحسابات والتقديرات.
جاء موقف حركة النهضة حاسما، من حيث رغبتها في ضم حزب قلب تونس إلى مشاورات
تشكيل الحكومة، ورغبتها في مشاركة الجميع (إلا من أقصى نفسه) في ما سمّته حكومة وحدة وطنية، ملوّحةً باستعدادها لخوض انتخابات برلمانية مبكّرة، وهو موقفٌ لم تقبله الكتل البرلمانية الداعمة للمكلّف الجديد. والأكيد أن حركة النهضة تدرك أن الحكومة لا يمكن أن تمر من غير دعمها. وبعد تحرّرها من أثقال تشكيل الحكومة الأولى تجد الحركة نفسها تتعامل مع كتل برلمانية ترغب في حضور شكلي لها (النهضة)، أي بوصفها مشاركا عَرَضيا في الحكومة، وداعما برلمانيا لها من دون أن تملك أي قدرة في التأثير الفعلي عليها، وهو ما يعني واقعيا استبعاد الحزبين الأكثر حضورا في البرلمان، حركة النهضة وقلب تونس، من الحكم، الأولى بإفشال حكومة الحبيب الجملي والثاني بإبعاده عن المشاورات.
حسابيا، لا يمكن للقوى الداعمة مقترح حكومة الرئيس أن تمنحها القدرة على نيل الثقة في مجلس نواب الشعب، وهي بحاجة إلى دعم كتلة حركة النهضة. وفي المقابل، هي لا ترغب في منح حركة النهضة دورا أساسيا في تشكيل الحكومة، بما يوازي حجمها وحضورها في البرلمان، وهي مفارقة لا يمكن حلها ببساطة. ولأن السياسة تخلو من المشاعر، وتقوم على حسابات المصلحة، فإن "النهضة" تضغط برفع ورقة المرور إلى انتخاباتٍ مبكّرة، تدرك بقية الأحزاب أنها ستكون الخاسر الأكبر من تنظيمها، بالنظر إلى تداخل الحسابات، وتبدّل المعادلات الانتخابية والمزاج الشعبي المتغير، بما قد يفضي إلى فقدانها جانبا مهما من حضورها البرلماني، خصوصا بعد شروع كتلة حركة النهضة في تقديم مشروعٍ لتعديل القانون الانتخابي، وفرض عتبة انتخابية ستقلل بالتأكيد من فرص صعود النواب الذين وصلوا إلى مقاعدهم، مستفيدين من قانون أكبر البقايا.
لم تعد المسألة تتعلق بالبرامج، ولا بطبيعة منوال التنمية والخطط الضرورية التي ينبغي أن تتبعها الحكومة، للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تجثم على البلاد، بقدر ما تحولت إلى
حساباتٍ للمواقع والمصالح الحزبية التي يمكن أن يغنمها هذا الطرف أو ذاك. وتحولت الاتهامات المتبادلة بين القوى المختلفة بالتحالف مع الفساد إلى أداةٍ دعائيةٍ مفضلة لدى الأطراف التي تتفاوض لتشكيل الحكومة، فإذا كان حزبا التيار الديمقراطي وحركة الشعب يتهمان "النهضة" بتقديم رافعة سياسية لخدمة حزب قلب تونس، ورئيسه نبيل القروي المتهم بالفساد، فإن هذه القوى نفسها تتحالف مع حزب تحيا تونس برئاسة يوسف الشاهد الذي كانت تتهمه هي نفسها بالفساد والتربّح من وجوده في السلطة، ما يعني أن مسار المفاوضات سيكون شاقّا. وإذا لم يتمكّن إلياس الفخفاخ من تقديم الوصفة المناسبة لإرضاء القوى المتنازعة بتحالفاتها المتضاربة، فإن الطريق إلى انتخابات مبكرة سيكون سالكا.
تظل العودة إلى الشعب وتحكيم الصندوق الخيار الأجدى في حالة العجز عن تشكيل الحكومة، ففي الديمقراطيات التي تحترم شعوبها، وخصوصا منها التي تعتمد النظام البرلماني أسلوبا للحكم، تظل الانتخابات الأداة الحاسمة لإعادة توزيع الأوراق، والوصول إلى وضع يسمح ببناء حكومة مستقرّة، قادرة على تسيير الشأن العام، فالديمقراطية تقوم أساسا على تنظيم النزاعات، وحسمها عبر اللجوء إلى المواطن، بوصفه المصدر الأول لمنح الشرعية.
جاء موقف حركة النهضة حاسما، من حيث رغبتها في ضم حزب قلب تونس إلى مشاورات
حسابيا، لا يمكن للقوى الداعمة مقترح حكومة الرئيس أن تمنحها القدرة على نيل الثقة في مجلس نواب الشعب، وهي بحاجة إلى دعم كتلة حركة النهضة. وفي المقابل، هي لا ترغب في منح حركة النهضة دورا أساسيا في تشكيل الحكومة، بما يوازي حجمها وحضورها في البرلمان، وهي مفارقة لا يمكن حلها ببساطة. ولأن السياسة تخلو من المشاعر، وتقوم على حسابات المصلحة، فإن "النهضة" تضغط برفع ورقة المرور إلى انتخاباتٍ مبكّرة، تدرك بقية الأحزاب أنها ستكون الخاسر الأكبر من تنظيمها، بالنظر إلى تداخل الحسابات، وتبدّل المعادلات الانتخابية والمزاج الشعبي المتغير، بما قد يفضي إلى فقدانها جانبا مهما من حضورها البرلماني، خصوصا بعد شروع كتلة حركة النهضة في تقديم مشروعٍ لتعديل القانون الانتخابي، وفرض عتبة انتخابية ستقلل بالتأكيد من فرص صعود النواب الذين وصلوا إلى مقاعدهم، مستفيدين من قانون أكبر البقايا.
لم تعد المسألة تتعلق بالبرامج، ولا بطبيعة منوال التنمية والخطط الضرورية التي ينبغي أن تتبعها الحكومة، للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تجثم على البلاد، بقدر ما تحولت إلى
تظل العودة إلى الشعب وتحكيم الصندوق الخيار الأجدى في حالة العجز عن تشكيل الحكومة، ففي الديمقراطيات التي تحترم شعوبها، وخصوصا منها التي تعتمد النظام البرلماني أسلوبا للحكم، تظل الانتخابات الأداة الحاسمة لإعادة توزيع الأوراق، والوصول إلى وضع يسمح ببناء حكومة مستقرّة، قادرة على تسيير الشأن العام، فالديمقراطية تقوم أساسا على تنظيم النزاعات، وحسمها عبر اللجوء إلى المواطن، بوصفه المصدر الأول لمنح الشرعية.