22 نوفمبر 2024
هل تصنّف إدارة ترامب "الإخوان" منظمة إرهابية؟
بعد انتصار دونالد ترامب المفاجئ في الانتخابات الرئاسية، تقف أميركا، والعالم معها، على أبواب مرحلةٍ مفصليةٍ، لا يستطيع أحد تكهّن كنهها، في حين يبدو أن أحداً لم يعدّ العدّة للتعامل مع أميركا ترامب، فالسواد الأعظم افترض أن أميركا لا يمكن أن تسمح لشخصٍ مثله بتبوؤ سدة الرئاسة.
لا تخوض هذه المقالة في هواجس الحلفاء قبل الأعداء، فلا أحد يعلم تماماً ما يمكن أن تكون عليه السياسة الخارجية لرجلٍ يعدم الخبرة، ولا يمكن التنبؤ بسياساته، كما أبانت حملته الانتخابية للرئاسة. من بين هؤلاء، ينبغي أن يكون العرب والمسلمون الأكثر قلقاً، لا لضعفهم وتشرذمهم وانعدام وزنهم فحسب، بل لأن الرجل جعل منهم هدفاً رئيساً للشيطنة والاستخفاف، بما في ذلك "الحلفاء" منهم، خلال حملته للانتخابات. وها نحن اليوم، نرى بعض بوادر إيفاء الرجل بوعوده، حتى قبل استلامه الحكم رسميا. فمن ينظر في قائمة مرشحيه لوزارة الخارجية، وتحديداً عمدة نيويورك الأسبق، رودي جولياني، وممثل الولايات المتحدة الأسبق في مجلس الأمن الدولي، جون بولتون، أو حتى الرئيس الأسبق لمجلس النواب، نيوت غينغريتش، فإنه لا شك يترقب الأسوأ. أيضا، من يتابع المستشارين اليمينيين المتطرفين الذين أحاط ترامب نفسه بهم، كستيفين بانون رئيس تحرير موقع "بريت بارت" اليميني العنصري، وفرانك غافني، رئيس "مركز سياسات الأمن" اليميني المتطرف، ووليد فارس، أحد الذين تدور حولهم شبهات جرائم حرب في لبنان، عندما كان عضوا في "القوات اللبنانية" خلال الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، فإنه لا شك يدرك أن هؤلاء سيدفعون باتجاه أجندةٍ متطرفةٍ نحو العرب والمسلمين، بما في ذلك نحو المسلمين الأميركيين. الشخصيات الثلاثة سالفة الذكر، وغيرهم مثلهم حول ترامب، وعلى قائمة مرشحيه للوزارات المختلفة، بما في ذلك وزارتا العدل والأمن القومي، معروفون بعنصريتهم وكراهيتهم العرب والمسلمين. بل إن بانون متهم بأكثر من ذلك، فهو معادٍ حتى لليهود والسود واللاتينيين الأميركيين، وغيرهم من الأقليات. ويؤيد كلٌّ من بانون وغافني، بل يدفعان، باتجاه تنفيذ وعد ترامب في الانتخابات بأن يصمم نظام تسجيل خاص بالمسلمين، وفرض بطاقات هويةٍ خاصة بهم.
هذا في السياق العام لما قد تكون عليه سياسة إدارة ترامب نحو العرب والمسلمين عموما، لكن الأيام القليلة الماضية حملت تركيزا أكبر على ما إذا كانت إدارة ترامب ستسارع إلى تصنيف
جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، ويبدو أن مستشارين ومؤيدين له من المراكز والشخصيات اليمينية المتطرفة يدفعون باتجاه ذلك علناً، بل ويصرحون بفظاظة حوله، كما فعل فارس وغافني. وبالمناسبة، تذهب مطالبهم بتصنيف "الإخوان" إلى أبعد من استهداف الجماعة في الخارج إلى استهداف منظمات إسلامية أميركية مرموقة، يزعمون أنها امتداد لها.
كتبت في "العربي الجديد"، في 10 مارس/ آذار الماضي، مقالاً بعنوان ("الإخوان" والنقاش الأميركي لتصنيفها "منظمة إرهابية")، كما كان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد نشر دراستي في مايو/ أيار 2014 "الولايات المتحدة الأميركية والإخوان المسلمون في مصر". ناقش المقال مشروع قانون قدّم في مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، أواخر عام 2015، يدعو وزارة الخارجية إلى تصنيف الإخوان المسلمين "منظمةً إرهابية"، غير أن إدارة أوباما رفضت. من قدّموا مشروع القانون، وفي مقدمتهم السناتور تيد كروز، لا يزالون يضغطون لتمريره. وكنت أشرت، حينها، إلى أن إدارة جمهورية قادمة، قد تمضي في قرار التصنيف، فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من قرار رئاسي تنفيذي، أو عبر وزارة الخارجية. كتبت ذلك قبل أن يعلم أحد أن ترامب سيكون رئيساً، فقد كان ثمّة قناعة سائدة حينها أنه، حتى تحت إدارة جمهورية قادمة من داخل "مؤسسة الحكم التقليدية" Establishment، بعيداً عن ترامب وكروز، فإن ذلك مستبعد الوقوع، فإدارة جورج بوش الابن، وفي ذروة "الحرب على الإرهاب" لم تضع "الإخوان المسلمين" على قائمة "المنظمات الأجنبية الإرهابية"، على الرغم من وجود تيارات من داخل الإدارة وحولها كانت تدفع في ذلك الاتجاه.
بناء على ما سبق، واهمٌ من يزعم أنه يعلم أين ستتجه الأمور. فمن يجادل، من دون نظر في المعطيات والسياقات، بأن أميركا دولة مؤسسات عريقة، وبأن حسابات المؤسسة فيها أكبر من حسابات الفرد، حتى ولو كان رئيساً، لا يفهم حقيقة النظام السياسي الأميركي وتفاعلاته، كما أنه لم يستوعب بعد مغازي انتخاب ترامب أميركيا. هذا لا يعني أن أميركا ليست دولة مؤسسات عريقة، وبأنها أكبر من الأفراد، لكننا أيضاً رأينا، في محطاتٍ مفصليةٍ في تاريخ أميركا، كيف أن رؤساء استطاعوا أن يحدثوا انعطافاتٍ جذريةً في مسار البلاد، في ظل معطيات خاصة. فعلها إبراهام لينكولن في قراره تحريره العبيد، وبسبب ذلك، خاضت أميركا حرباً أهليةً ضروساً بين الشمال والجنوب، انتهت باغتياله. وفعلها ليندون جونسون بإقراره قوانين الحقوق المدنية، والتي بسببها خسر الحزب الديمقراطي الجنوب. كما فعلها جورج بوش الابن، بفرض قوانين أمنيّة صارمة جعلت من الولايات المتحدة أقرب إلى الدول البوليسية، مستغلا هستيريا الخوف بعد هجمات "11سبتمبر" في 2001.
اليوم، نحن أمام مفصل تاريخي آخر في الولايات المتحدة، أي قد نرى صداماً بين أعراف
"المؤسسة الحاكمة" وشخص الرئيس وإدارته والحركة الشعبوية اليمينية التي حملته إلى الحكم. وهنا تأتي أهمية الدراسة التي نشرتها عبر المركز العربي، فقد شرحت التأسيس الفلسفي للمؤسسة الأميركية الحاكمة لمقاربة العلاقة مع "الإسلام السياسي"، والتي جاءت في خطابٍ ألقاه، في يونيو/ حزيران عام 1992 في واشنطن، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حينها، إدوارد بي. جيرجيان بعنوان "الولايات المتحدة والشرق الأوسط في عالم متغير". وباختصار، يحدد جيرجيان المعايير التي ستقبل الولايات المتحدة التعامل على أساسها مع حركات "الإسلام السياسي"، مثل القبول بمرجعية صناديق الانتخاب، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الأقليات، والحريات، ونبذ "الإرهاب".. إلخ، غير أن الخطاب كان واضحا في أنه يتحدث عن القبول بـ"مشاركة" سياسية لـ"حركات الإسلام السياسي" لا عن تسلم الحكم. وقد شرحت حينها معطيات السياق الموضوعي لذلك الخطاب، وأهمها أن الولايات المتحدة التي فوجئت بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979 اعتبرت أن جزءاً من عنصر المفاجأة ترتب على إهمالها الاتصال مع حركة الخميني في مدينة قم الإيرانية، وذلك بسبب ضغوط الشاه على السفارة الأميركية في طهران، حينئذ، للامتناع عن ذلك. ومنذ ذلك الحين، في أواخر رئاسة جيمي كارتر، ومروراً برئاسات رونالد ريغان، جورج بوش الأب، بيل كلينتون، وبوش الابن، وصولاً إلى باراك أوباما، والولايات المتحدة تحافظ على اتصالاتٍ مع الإسلاميين، وتحديداً الإخوان، تزداد وتيرتها حيناً، وتخفت حيناً آخر، حسب الظروف. أيضا، فإن جُلَّ الخبراء في "المؤسسة الحاكمة"، أو القريبين منها، دائماً ما جادلوا بأن حركات الإسلام السياسي، وخصوصا "الإخوان المسلمين" هم جزء من معادلة الاستقرار في الشرق الأوسط، بسبب حجمهم وتأثيرهم، من دون أن يعني ذلك القبول بهم خارج الاشتراطات التي أشير إلى بعضها سابقا.
باختصار، سيكون العشرون من شهر يناير/ كانون الثاني 2017، يوم تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، المحطة الزمنية الفاصلة لمعرفة هل ستنتصر التقاليد العريقة للمؤسسية الأميركية، في السياستين الداخلية والخارجية، بما في ذلك في التعامل مع العرب والمسلمين، ومن ضمنهم الإخوان المسلمون، أم أن الحركة الشعبوية التي حملت ترامب، وكثيرين من الإيديولوجيين المتعصبين من حوله، سيُحدثون خرقاً في تلك المؤسّسة. سؤالٌ لا يملك أحد الإجابة عليه الآن، وإن كنا نرى بعض الكتابة على الحيطان.
لا تخوض هذه المقالة في هواجس الحلفاء قبل الأعداء، فلا أحد يعلم تماماً ما يمكن أن تكون عليه السياسة الخارجية لرجلٍ يعدم الخبرة، ولا يمكن التنبؤ بسياساته، كما أبانت حملته الانتخابية للرئاسة. من بين هؤلاء، ينبغي أن يكون العرب والمسلمون الأكثر قلقاً، لا لضعفهم وتشرذمهم وانعدام وزنهم فحسب، بل لأن الرجل جعل منهم هدفاً رئيساً للشيطنة والاستخفاف، بما في ذلك "الحلفاء" منهم، خلال حملته للانتخابات. وها نحن اليوم، نرى بعض بوادر إيفاء الرجل بوعوده، حتى قبل استلامه الحكم رسميا. فمن ينظر في قائمة مرشحيه لوزارة الخارجية، وتحديداً عمدة نيويورك الأسبق، رودي جولياني، وممثل الولايات المتحدة الأسبق في مجلس الأمن الدولي، جون بولتون، أو حتى الرئيس الأسبق لمجلس النواب، نيوت غينغريتش، فإنه لا شك يترقب الأسوأ. أيضا، من يتابع المستشارين اليمينيين المتطرفين الذين أحاط ترامب نفسه بهم، كستيفين بانون رئيس تحرير موقع "بريت بارت" اليميني العنصري، وفرانك غافني، رئيس "مركز سياسات الأمن" اليميني المتطرف، ووليد فارس، أحد الذين تدور حولهم شبهات جرائم حرب في لبنان، عندما كان عضوا في "القوات اللبنانية" خلال الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، فإنه لا شك يدرك أن هؤلاء سيدفعون باتجاه أجندةٍ متطرفةٍ نحو العرب والمسلمين، بما في ذلك نحو المسلمين الأميركيين. الشخصيات الثلاثة سالفة الذكر، وغيرهم مثلهم حول ترامب، وعلى قائمة مرشحيه للوزارات المختلفة، بما في ذلك وزارتا العدل والأمن القومي، معروفون بعنصريتهم وكراهيتهم العرب والمسلمين. بل إن بانون متهم بأكثر من ذلك، فهو معادٍ حتى لليهود والسود واللاتينيين الأميركيين، وغيرهم من الأقليات. ويؤيد كلٌّ من بانون وغافني، بل يدفعان، باتجاه تنفيذ وعد ترامب في الانتخابات بأن يصمم نظام تسجيل خاص بالمسلمين، وفرض بطاقات هويةٍ خاصة بهم.
هذا في السياق العام لما قد تكون عليه سياسة إدارة ترامب نحو العرب والمسلمين عموما، لكن الأيام القليلة الماضية حملت تركيزا أكبر على ما إذا كانت إدارة ترامب ستسارع إلى تصنيف
كتبت في "العربي الجديد"، في 10 مارس/ آذار الماضي، مقالاً بعنوان ("الإخوان" والنقاش الأميركي لتصنيفها "منظمة إرهابية")، كما كان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد نشر دراستي في مايو/ أيار 2014 "الولايات المتحدة الأميركية والإخوان المسلمون في مصر". ناقش المقال مشروع قانون قدّم في مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، أواخر عام 2015، يدعو وزارة الخارجية إلى تصنيف الإخوان المسلمين "منظمةً إرهابية"، غير أن إدارة أوباما رفضت. من قدّموا مشروع القانون، وفي مقدمتهم السناتور تيد كروز، لا يزالون يضغطون لتمريره. وكنت أشرت، حينها، إلى أن إدارة جمهورية قادمة، قد تمضي في قرار التصنيف، فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من قرار رئاسي تنفيذي، أو عبر وزارة الخارجية. كتبت ذلك قبل أن يعلم أحد أن ترامب سيكون رئيساً، فقد كان ثمّة قناعة سائدة حينها أنه، حتى تحت إدارة جمهورية قادمة من داخل "مؤسسة الحكم التقليدية" Establishment، بعيداً عن ترامب وكروز، فإن ذلك مستبعد الوقوع، فإدارة جورج بوش الابن، وفي ذروة "الحرب على الإرهاب" لم تضع "الإخوان المسلمين" على قائمة "المنظمات الأجنبية الإرهابية"، على الرغم من وجود تيارات من داخل الإدارة وحولها كانت تدفع في ذلك الاتجاه.
بناء على ما سبق، واهمٌ من يزعم أنه يعلم أين ستتجه الأمور. فمن يجادل، من دون نظر في المعطيات والسياقات، بأن أميركا دولة مؤسسات عريقة، وبأن حسابات المؤسسة فيها أكبر من حسابات الفرد، حتى ولو كان رئيساً، لا يفهم حقيقة النظام السياسي الأميركي وتفاعلاته، كما أنه لم يستوعب بعد مغازي انتخاب ترامب أميركيا. هذا لا يعني أن أميركا ليست دولة مؤسسات عريقة، وبأنها أكبر من الأفراد، لكننا أيضاً رأينا، في محطاتٍ مفصليةٍ في تاريخ أميركا، كيف أن رؤساء استطاعوا أن يحدثوا انعطافاتٍ جذريةً في مسار البلاد، في ظل معطيات خاصة. فعلها إبراهام لينكولن في قراره تحريره العبيد، وبسبب ذلك، خاضت أميركا حرباً أهليةً ضروساً بين الشمال والجنوب، انتهت باغتياله. وفعلها ليندون جونسون بإقراره قوانين الحقوق المدنية، والتي بسببها خسر الحزب الديمقراطي الجنوب. كما فعلها جورج بوش الابن، بفرض قوانين أمنيّة صارمة جعلت من الولايات المتحدة أقرب إلى الدول البوليسية، مستغلا هستيريا الخوف بعد هجمات "11سبتمبر" في 2001.
اليوم، نحن أمام مفصل تاريخي آخر في الولايات المتحدة، أي قد نرى صداماً بين أعراف
باختصار، سيكون العشرون من شهر يناير/ كانون الثاني 2017، يوم تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، المحطة الزمنية الفاصلة لمعرفة هل ستنتصر التقاليد العريقة للمؤسسية الأميركية، في السياستين الداخلية والخارجية، بما في ذلك في التعامل مع العرب والمسلمين، ومن ضمنهم الإخوان المسلمون، أم أن الحركة الشعبوية التي حملت ترامب، وكثيرين من الإيديولوجيين المتعصبين من حوله، سيُحدثون خرقاً في تلك المؤسّسة. سؤالٌ لا يملك أحد الإجابة عليه الآن، وإن كنا نرى بعض الكتابة على الحيطان.